كارثة التفكير الأحادي

آراء

يحمل الدستور الأميركي مادتين ظاهرهما التناقض: الأول هو حرية التعبير، والثاني حق الأفراد المطلق في حمل السلاح. لنعد للوراء إلى أهم درس مرّ على منطقتنا العربية في السنوات الماضية، درس حمل – إعلامياً – اسم ثورات الربيع العربي، الذي بدأ رسمياً بمشهد مغادرة زين العابدين بن علي سدة الحكم، واعتبر قطاع واسع من العرب أن انهيار نظامه بمثابة انتصار لثورة جياع، وحان للثورة أن تلهم بقية الدول العربية في الشرق الأوسط.

ثم زحفت حشود هائلة إلى شوارع ليبيا ومصر وسورية، والعديد من الدول العربية الأخرى، وأطاحت بأنظمة الحكم على أمل الغد الأفضل. تنافس المتظاهرون الشباب مع بعضهم بعضاً في تأليف «شعارات للديمقراطية» على «تويتر» أو «فيس بوك»، وعلى اليافطات والأسوار.

وسارع إعلاميون غربيون إلى تسمية هذا الحدث «الربيع العربي»، الذي يُفترض أنه متابعة مباشرة للحركات الشعبية المماثلة التي وحدت القارة الأوروبية نهاية الحرب الباردة.

لكن بعد مرور سنوات، لم يترك الربيع العربي أي أثر إيجابي، الدول التي لم تنجرّ نحو حرب أهلية تهنئ نفسها الآن ليس على التمتع بحياة أفضل أو أكثر حرية، بل بأنهم لم يتعرضوا لكارثة أسوأ.

الأحداث المفجعة وتطوراتها التي جاءت مخيبة لآمال الشباب، لأن توقعات نتائج نجاح الثورة – في حال نجحت – كانت من البداية غير واقعية، حيث ظن المتظاهرون أن نجاح ثورتهم سيحولهم إلى دولة مدنية حديثة.

وللإنصاف، كانت كل من تونس وسورية وبقية دول المنطقة تمر بحالة نشاط اقتصادي مزدهر عقب الأزمة المالية العالمية، وفي الوقت نفسه لم تُفلح الحكومات في توفير فرص عمل للشباب، كما أنها فقدت مصداقية كل الأيديولوجيات وكل النماذج الاقتصادية التي تبنتها، لتظهر الأحزاب الإسلامية من مختلف التوجهات والتيارات لتلعب دور البديل الجاهز، ليكتشف المتظاهرون أن الإسلام هو الإطار الأيديولوجي الوحيد الذي لم يُفعل، ثم ما تتميز به هذه الأحزاب كونها مريحة بالنسبة لمتابعيها، لأنها تحمل عنهم عبء التفكير وتمنح حق القرار لأشخاص نصبوا أنفسهم للكلام باسم الله عزّ وجل ورسوله الكريم.

الدرس الأول والأهم هو أن كارثة الربيع العربي ستتكرر مع كل دولة لا تملك نموذجها التنموي المتمتع بمصداقية كبيرة، نموذج يضم القيم والمبادئ والأفكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نموذج حديث منفتح، يقبل الآراء ويناقشها، وتكون له نتائج على الأرض، حينها لا خوف على المجتمع، ومن هنا نجد ألا غرابة في الدستور الأميركي، فمتى كفل حق التفكير والتعبير لا خوف من حمل السلاح.

المصدر: الإمارات اليوم