عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
عندما يتعلق الأمر بالمشكلات أو الظواهر العامة، لا نجد من دعوات لحلول سوى نوعين: المزيد من الوعي، أو “تدخل الحكومة” لفرض تدابير أو إجراءات معينة على الناس. وفي السنوات الأخيرة بدأنا نقرأ لبعض المختصين، تذكيراً بحل إضافي: مسؤولية المواطن.
أكثر ما يدفعنا للتأمل هنا هو القلق الذي يلازمنا دوماً، عندما نحاول اجتراح حلول لمشكلات وثيقة الصلة بالثقافة العامة السائدة لدى الناس ومرجعياتهم الثقافية والسلوكية، والقيم التي تحرك سلوكهم في الفضاء العام.
وسواء تعلق الأمر بسلوك الطلاب في المدارس، أو مستوى النظافة في الشوارع وكيفية التعامل مع المرافق العامة، لا تكفي الأنظمة والقوانين، ولا حتى الإلزام والقسر الذي تأتي به الأنظمة والقوانين. يكاد يكون الأمر سباقاً مضنياً ومرهقاً بين القوانين والناس، أو بالأصح بين الفكرة التي ينظمها ويرعاها القانون، وبين سلوك الناس. فقد يكون لدينا أفضل القوانين وأكثرها نبلاً، لكنها لن تكون مجدية ما لم يتضافر معها دافع ذاتي لدى الناس للالتزام بها وتمثلها على أفضل وجه.
ليس في هذا جديد، وإذا كان أفضل الممارسات يستلزم حدوداً معينة من الإجبار لدفع الناس للالتزام بالأنظمة والقوانين، فإن أكثر ما سيطرح إشكالية القوانين والسلوك هو مشكلة باتت مؤرقة في العقود الأخيرة وذات صلة وثيقة بالحياة، وهي مشكلة البيئة.
يمكننا أن نطمئن لقناعة بسيطة، هي الناس يعرفون نظريا أهمية المحافظة على البيئة، لكن لا يبدو أن هذه المعرفة قد تحولت إلى ركيزة أساسية في قناعات الناس وسلوكهم اليومي، تنم عن إدراكهم لأهمية المحافظة على البيئة.
لقد طافت هذه الخواطر بذهني وأنا أتأمل مياه جزيرة القرم الشرقي في أبوظبي قبل أيام، في جولة نظمتها هيئة أبوظبي للبيئة لمجموعة من الكتاب والصحافيين، وأرقب الأسماك الصغيرة والطيور ومختلف الكائنات البحرية، وهي تنشط ذاكرتي لتستدعي صوراً قديمة لبيئة بحرية زاخرة عرفها جيلي في بلدي البحرين مثلما في باقي دول الخليج.
وعندما أفضت في الحديث مع اثنين من العاملين في الهيئة عن أسماك الخليج وتسمياتها بين البحرين والإمارات، أرجعنا الحديث إلى القصة التي بتنا نعرفها جميعاً ويختزلها سؤال موجع: ما الذي حل بالبيئة في الخليج البحرية منها والبرية؟
إنها القصة الطويلة التي يعرفها أبناء جيلي في دول الخليج، والقائمون اليوم على شؤون البيئة، خصوصاً أولئك المعنيون بالحفاظ على الحياة الفطرية والمعنيون بمكافحة أشكال لا حصر لها من التلوث، الذين يواجهون نوعين من التحديات: حركة العمران، وتدني الوعي العام بقضية البيئة.
وإذا وضعنا تحدي العمران الذي تحركه دوافع اقتصادية أو مصلحية أنانية، فإن مشكلة الوعي العام هي العائق الأكبر من وجهة نظري.
منذ أن بدأ الاهتمام بالبيئة وحركة المطالبة بحمايتها في سبعينات القرن الماضي، فإن الاهتمام بالبيئة لم يتنام إلا بتعاظم الوعي العام بها لدى الناس.
وهذا الوعي إذا ما تحول إلى طاقة إيجابية، من شأنه أن يوفر دوافع ذاتية لسلوك الناس في أي مكان، للحفاظ على البيئة والالتزام بأفضل الممارسات التي تحد من الإضرار بها وتكافح التلوث بشكل عام.
إن الجهد الذي بذلته الجهات الرسمية للحفاظ على البيئة في الإمارات ودول خليجية أخرى، كبير ومتعدد الأوجه، والقائمون عليه يستحقون التقدير فعلاً.
لكن القائمين على شؤون البيئة في الإمارات يواجهون، مثلهم مثل غيرهم في دول الخليج وسائر البلدان، تحديات كبرى تجعلهم في سباق يقطع الأنفاس أحياناً، مع تحديات العمران من جهة، وتدني الوعي العام بأهمية المحافظة على البيئة.
فالحفاظ على البيئة يبدو للكثيرين نوعاً من الترف، وليس ضرورة من ضرورات الحياة. يشترك في هذا بعض المستثمرين الذين لا يعني التنوع البيئي والحياة الفطرية بالنسبة لهم أكثر من ميدان خصب للاستثمار السياحي، إلى الأشخاص العاديين.
وإذا كانت البيئة قد أصبحت تملك ميزة اقتصادية للمستثمرين، فإن البحث عن الحدود التي يمكن أن يتعايش فيها الاستثمار مع الحدود المقبولة من الحياة الفطرية والبيئة النظيفة، سيبقى مهمة صعبة، نظراً للحاجة المستمرة إلى التوازن الذي لا بد منه دوماً، بحيث لا تطغى دوافع الاستثمار على مقتضيات البيئة.
هكذا، وجدنا أن جزءاً غير قليل من الاستثمارات السياحية أصبحت موجهة في العقود القليلة الماضية نحو الحياة الفطرية، أي أن الحياة الفطرية بما فيها من ثراء وتنوع، تجاوزت – من وجهة نظر المخططين الاقتصاديين والمستثمرين وضعها، من قيمة مهملة أو ساكنة على نحو آخر، إلى وضع جديد جعلها من ميادين الدخل والثروة.
لكن الفارق سيبقى واضحاً أيضاً بين أن تكون الحياة الفطرية في هذه الحالة أشبه بالمزار السياحي، وبين أن تكون عنصراً فعالاً في توازن بيئي تتزايد أهميته يوماً بعد آخر.
وسيبقى التحدي الأساسي، من وجهة نظري، هو تحويل الوعي بقضايا البيئة إلى إدراك عميق لدى الناس يجسده سلوك يومي فاعل، فهذا هو العنصر الحاسم في تفعيل كل القوانين والأنظمة التي وضعتها السلطات المختصة، والسبيل الوحيد للتوازن المنشود بين متطلبات الاقتصاد والمعيشة، وبين المحافظة على حياة فطرية وبيئة نظيفة باتت ضرورة لا غنى عنها لحياتنا.
المصدر: البيان