منذ سنوات، ظهرت تقارير عديدة تنبأت بقرب نهاية الكتاب الورقي ليحل محله نظيره الإلكتروني، إلا أن القراء من مختلف الأجيال، وفي مختلف بقاع الأرض، خيّبوا توقعات هذه التقارير، وتمسكوا بصديقهم الكتاب تمسكاً عظيماً.
ورغم انتشار أجهزة تصفح الكتب الإلكترونية بين مختلف أجيال زمننا هذا، وازدياد بيع الكتب الإلكترونية، إلا أن معارض الكتب الورقية في العالم تشهد زيادة سنوية في مبيعات كتبها وعدد زوارها، خصوصاً من جيل الشباب.
وفي العديد من الاستبايانات التي تابَعْتُها في وسائل التواصل الاجتماعي حول نوع الكتاب المفضل لدى الجمهور القارئ، كانت النتيجة دائماً لمصلحة الكتاب الورقي على الإلكتروني أو المسموع، بنسبة تزيد على الثلثين.
فما السبب يا ترى؟
لايزال الكتاب صديقاً للإنسان أكثر من شاشة الجهاز الإلكتروني، إذ هل تخيلتم يوماً بساطة قراءة كتاب ورقي مقارنة بقراءة نسخة إلكترونية منه على جهاز يحتاج إلى شحن مستمر بالطاقة كي يعمل؟
الكتاب لا يحتاج إلى ذلك، ويمكنك حمله معك إلى أي مكان، والاحتفاظ به سنوات طويلة، والعودة إليه متى شئت بكل سهولة.
أنظُرُ إلى الكتاب دوماً على أنه كائن حي، والأشجار التي تُقْطَع كي تُصنع من خشبها أوراق كتب، هي في الحقيقة لم تمت، بل مستمرة في النمو في عقل القارئ، من خلال العلوم التي تنقلها إليه، أو الأفكار التي تتولد عنده نتيجة القراءة
إن تعامل القارئ مع الكتاب الورقي مختلف عن نظيره الإلكتروني، إذ لايزال بعض القراء يتحدثون عن رائحة أوراق الكتاب، ونوعها، وملمسها، ولايزال عدد غير قليل منهم حريصاً على اقتناء نسخة موقعة من المؤلف، ثم تصوير الكتاب وعرضه في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك إهداء الكتب لأصدقائهم، كما أن منظر أرفف الكتب في البيت يعطي وجهاً آخر للحياة فيه، وكل هذه المزايا لا تتوافر في الكتاب الإلكتروني، إلا أن ذلك لا ينفي أنه أسرع وصولاً وتداولاً من الورقي، ولا يحتاج إلى مساحة فعلية من الأرفف في المكتبات، وأعرف عدداً غير قليل من القراء – وأنا منهم – يلجؤون إلى اقتناء الكتاب الإلكتروني في حال عدم توافره ورقياً، لكنهم يطبعونه بعد ذلك ليقرؤوه في شكل كتاب مطبوع!
في المقابلة التي أجرتها جمانة حداد في كتابها «صحبة لصوص النار»، مع الكاتب أمبرتو إيكو، الذي رحل عن عالمنا قبل أيام قليلة، سألَتْهُ عن التهديد الذي تشكله الكتب الإلكترونية تجاه الكتب الورقية، فأجابها مؤلف «اسم الوردة»:
الكتاب الإلكتروني، لا حظوظ كبيرة لنجاحه في رأيي، هل تتخيلين شخصاً يقرأ الكوميديا الإلهية على شاشة كمبيوتر؟ يا للهول، الأوراق ضرورية للتأمل في النص. وماذا عن الكتب التي نحب قراءتها في السرير قبل النوم؟ لا، إنها في رأيي مخاوف غير مبررة، علماً أنه كثيراً ما يطرح عليّ هذا السؤال وتفاجئني النظرة الخائبة واليائسة في عيني الصحفي السائل، إذ أجيبه: لا، الكتب لن تختفي!
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم