الكتابة.. والرأي الآخر

آراء

نقلت وسائل الإعلام البريطانية، في نوفمبر الماضي، حادثة غريبة عن اعتداء كاتب شاب على فتاة شابة، أبدت رأياً سلبياً تجاه كتابه في أحد المواقع، ما حدا به إلى الانتقال من منطقته، والبحث عنها في منطقتها إلى أن وجدها، ليعتدي عليها بقنينة زجاجية كسرها على رأسها، لتُنقل هي إلى المستشفى، وتلقي الشرطة القبض عليه.

تُرى هل يعلم هذا الكاتب بأمر الأدباء، الذين ألّف آخرون كتباً تنتقد كتبهم؟

يعاني عدد غير قليل، ممن يدخلون عالم التأليف، حساسية تجاه ردود الأفعال المخيبة لآمالهم، في أن تجد كتاباتهم احتفاء من الجمهور والنقاد ووسائل الإعلام، وقد وصل الأمر بكاتب أعرفه إلى التوقف عن الكتابة بعد نشره كتابه الأول، لأنه وجد نقداً كبيراً ضد كتابه من القراء والنقاد، رغم أن الكتاب طبع أكثر من مرة!

ولا يفرّق كثير من الكتّاب بين نوعين من القُرّاء، هما الناقد والقارئ العادي.

إذاً.. نحن أمام رأي ناقد ورأي قارئ، وكلاهما مهم لمعرفة رأي المتلقي، إلا أن الخلط يحدث كثيراً بينهما في ذهن الكاتب، الذي ينسى أن من حق أي قارئ أن يبدي رأيه في أي عمل يقرؤه.

ماذا لو سأل الكاتب نفسه قبل أن يسلم كتابه إلى الناشر: ما الذي أنتظره من تأليفي هذا العمل؟

إن كانت إجابته: الحصول على المدح والثناء والتصفيق، فليعلم أنه بعيد عن جوهر الأدب وغايته، ومثل هذه النوعية لن تنتج أدباً حقيقياً، إذ لم يكن التصفيق والمديح في يوم إنجازاً أدبياً، فالمهرج في السيرك ينال تصفيقاً كبيراً بعد كل حركة بهلوانية ينجزها، وينطلق صفير الإعجاب به منذ لحظة دخوله إلى حين خروجه. ويتلقى التصفيق كذلك المفوّهون والكبار والصغار والفنانون والمتمردون والمتملقون والمتسلقون والممثلون، بل وحتى المجانين نجد من يصفق لهم!

إن الكاتب الذي يعتقد أن عمله لابد أن يحظى بإعجاب الجميع، يعاني قصوراً في فهم معنى تلقي الكتابة الأدبية، التي تخضع في جانب كبير منها إلى الذائقة، ذائقة الكاتب، وذائقة القارئ أيضاً. بل ويتناسى الكاتب نفسه أنه قارئ قبل أن يكون كاتباً، ولابد أنه قرأ في يوم ما كتاباً لكاتب لم ينل إعجابه! فكيف يمكنه إذاً تقبل فكرة أن تتشابه ذائقة جميع القراء مع أفكاره وأسلوبه؟

يظن كثير من الكتّاب أيضاً أن عدم الإعجاب بكتاباتهم هو إهانة شخصية لهم! وفي المقابل، يوجد في القراء والنقاد من يخلط بين العمل الأدبي وشخصية المؤلف، فينتقل بعضهم من إبداء رأيه في الكتاب إلى الهجوم على الكاتب نفسه، وهذا يعكس ضعفاً مردّه عدم امتلاكه أدوات النقد الأدبي الرصين.

إن الكاتب الحقيقي هو الذي يدرك أن أي انتقاد يوجه إلى عمله، إما أن يكون مفيداً لتجربته في الكتابة، وإما أن يكون رأياً شخصياً مبنياً على ذائقته، وهنا عليه تجاوزه وعدم التوقف عنده، إذ إن عدم إعجاب قارئ أو اثنين أو 10 أو 1000 بكتاب معين، لا يعني أن الكتاب سيئ بالضرورة، ولا يعني أيضاً أن الكاتب سيئ، لكنها الذائقة التي تجعلنا مختلفين، ليس في الكتابة والقراءة فقط، بل وفي حياتنا بشكل عام.

المصدر: الإمارات اليوم