قطيعة بين أجيال الكتّاب

آراء

في التاريخ الحديث لدولة الإمارات، يوجد جيلان من الأدباء والكُتّاب: الأول رائد ومؤسس في مجالات الرواية والشعر والقصة والمقال، والثاني شاب حديث يرى في نفسه طاقة كبيرة، تستحق الدعم والتشجيع، في المجالات نفسها.

وكان اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات أهم مظلة، يجتمع تحتها المبدعون في الماضي، وإحدى أهم جهات نشر إبداعاتهم، إلا أن الترهّل الذي أصاب أنشطته في فترة من الفترات، وابتعاد الأدباء والكتّاب عنه، سواء من جيل الرواد، أو الجيل الحالي الشاب، تسبب في وجود فجوة تواصل بين هذين الجيلين.

لقد شعر عدد غير قليل من مبدعي الجيل الجديد أنه أسس نفسه بنفسه، معتمداً على جهوده الذاتية في تطوير موهبته الكتابية، لذلك لا يجد أي رابط يربطه بجيل الروّاد، سواء على صعيد الاطلاع على تجربتهم الإبداعية للاستفادة منها، أو على صعيد التواصل الشخصي معهم.ولا يختلف الأمر كثيراً لدى عدد غير قليل من جيل الروّاد، الذي وجد في الساحة جيلاً جديداً من الكُتّاب، الذين أثبتوا حضورهم في المشهد الثقافي المحلي، وسلطت عليهم الأضواء بصورة قوية.

سألتُ مرة أحد الكُتّاب الشباب: إن كان قد قرأ للكاتب الفلاني؟ وهو من جيل الرواد، فأجاب بـ«لا»، ثم سألته عن كاتب آخر من ذلك الجيل أيضاً، فاختصر إجابته قائلاً: لم أقرأ لأي منهم، ولا أعرف إن كانت لهم إصدارات أدبية.

الأمر نفسه تكرر مع أحد الكُتّاب من جيل الرواد، وهو كاتب مقال حالياً في إحدى الصحف المحلية، سألته إن كان قد قرأ لبعض الأسماء الشابة، فأجاب بالنفي قائلاً: لا أعرف أغلبهم، سألته: ألم تحاول قراءة شيء من إنتاجهم؟ ألم يداخلك الفضول لمعرفة ما يكتبونه؟ فقال: عندما يقرؤون لي سأقرأ لهم. ثم ألمح بصورة غير مباشرة إلى عدم اعترافه بهم، أو بقيمة ما يكتبونه.

عدت بذاكرتي فوراً إلى إجابات ذلك الكاتب الشاب، الذي لم يقرأ هو الآخر لمن سبقه ولا يعرف أغلبهم! وربطتها بإجابات هذا الكاتب الذي لم يكتب يوماً كلمة واحدة يلفت فيها النظر إلى تجربة إحدى المواهب الشابة، ليشيد بها أو يشجعها، بل ولا يعترف بوجود كُتّاب آخرين من غير جيله في الساحة، يمكن أن يقفوا إلى جواره في المشهد الثقافي، وهو ليس الكاتب الوحيد (من جيله)، الذي لمستُ عنده هذه النظرة المؤسفة تجاه تجربة الجيل الشاب.

لا أكتب هذا الكلام لأحمّل أحد الطرفين مسؤولية هذه القطيعة دون الآخر، بل هي مسؤوليتهما معاً، وكلاهما بحاجة إلى قليل من التواضع والتواصل مع الآخر، من خلال الاطلاع على تجاربه، أو حضور الفعاليات الثقافية، التي أحجم عدد كبير من الكتّاب الروّاد عن الوجود فيها.

يتحمل المسؤولية أيضاً، إلى جانبهما، اتحاد الكتاب الذي عادت إليه في السنوات الأخيرة بعض تلك الروح، التي تسعى إلى أن تكون مظلة يتفيأ جميع الكتّاب تحت ظلالها، إلا أن مهمة القائمين على إدارته في هذا الخصوص ليست سهلة، خصوصاً في

ظل الشعور الموجود لدى أغلب الأدباء والكتاب، بأن كل واحدٍ منهم بحاجة إلى تعامل واهتمام خاصين ومختلفين بصورة دائمة.

المصدر: الإمارات اليوم