وعي الكتابة

آراء

ثمة اعتقاد لدى بعض الكُتّاب أن الكاتب الجيد هو الذي يستطيع الكتابة في مختلف الأجناس الأدبية، ويوجد اعتقاد آخر لدى بعضهم – سواء من القراء أو الكُتّاب – أن الكاتب الجيد هو الذي يتخصص في كتابة نوع واحد من الأجناس الأدبية، وكلا الاعتقادين غير صحيح، إذ إن عدد الأجناس الأدبية، التي يمكن للكاتب الخوض فيها، ليس دليلاً على عظمة موهبته مقارنة بغيره، ولنا في أشهر الأدباء في العالم نماذج على ذلك.

الكاتب الأرجنتيني بورخيس، هو أحد أشهر كتاب القصة القصيرة في العالم، خلال القرن الماضي، وكتب إلى جانبها أشعاراً ومقالات ودراسات نقدية ومسرحيات، لكنه لم يكتب رواية واحدة، علماً بأنه عُثِرَ في أرشيفه الخاص بعد وفاته على مخطوطة رواية له – بخط يده – لم يكتب منها سوى خمس صفحات. وفي جواب عن سؤال وجه إليه عن علاقته بالرواية، قال: لقد سألوني لماذا لم أحاول كتابة رواية قط؟! الكسل بالطبع هو التفسير الأول، لكن هناك تفسير آخر، فأنا لم أقرأ رواية قط دون أن ينتابني إحساس بالملل «المصدر: موقع تكوين». إلا أن جوابه هذا لا يبدو مقنعاً كثيراً، في ظل معرفتنا بأنه كتب مثلاً مقدمة لرواية «اختراع موريل» للأرجنتيني أدولفو بيوي كاساريس، وهي رواية قصيرة وصفها «بالكمال». وهذا يعني افتتانه بفن الرواية القريب من الأجواء التي عرف بأن قصصه تدور فيها، كما قد يعني أنه يدرك في داخله أنه ذو نفس قصير في الكتابة والقراءة، وعلى الرغم من ذلك، فإن عدم كتابته الرواية لم ينقص من مكانته ككاتب عالمي مؤثر.

وعلى طرف آخر، نجد أن كاتباً عالمياً آخر هو البرتغالي جوزيه ساراماغو، اشتهر بكتابة الرواية، كما كتب الشعر في بداية حياته، ثم تركه، ومارس أيضاً الصحافة وكتب مسرحيات، لكنه فرّغ نفسه في النهاية لكتابة الرواية، ولم يُعرف قاصاً رغم كتابته عدداً قليلاً جداً من القصص.

هناك أيضاً الأسطورة ماركيز، الذي أبدع في كتابة الروايات والقصص القصيرة والمقالات والدراسات والتحقيقات الصحافية والمسرحيات، لكن لم يُعرف عنه نظمه الشعر.

أما الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، فلم ينشر له في غير الشعر، سوى قصة قصيرة واحدة.

في الإمارات، نجد أن الأديب الكبير محمد المر، اشتهر أيضاً بكتابة القصص القصيرة وأبدع فيها، كما صدرت له مؤلفات بحثية عدة في اللهجة، وبرع أيضاً في كتابة المقال، لكنه لم يكتب الرواية.

إن هذه الأسماء التي نالت نصيبها من النجاح، وتركت تأثيرها الأدبي بإنتاجها وإبداعاتها، لم تتعامل يوماً مع الأدب على أنه أرض يجب أن يكون لها في كل جزء منها نصيب، بل إنها أدركت الأماكن التي يمكنها أن تخوض فيها وتنطلق، دون أن تكون دخيلة عليها، ودون أن تعتبر عدم تحليقها في مختلف فضاءات الأدب انتقاصاً من إبداعاتها.

إن هذه النظرة لديهم، ولدى غيرهم، تدل على الوعي الحقيقي الذي يوجد في داخلهم، بقدراتهم وبمعنى الأدب، بعيداً عن الاستسلام لإغراء الكتابة في جنس أدبي معين، يجد رواجاً أكبر بين القُرّاء.

المصدر: الإمارات اليوم