كاتب إماراتي
بين وداع «عون» القصر الجمهوري، بيت الشعب، وبين دعوات المخلصين ليكون الله في «عون» لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة، وتفشي مرض الكوليرا، والفراغ الرئاسي، يعيش لبنان اليوم ما بعد المرحلة البرتقالية، لكنه لبنان الأخضر أيضاً، لبنان الأرز، لبنان التعددية، لبنان المقاومة، حين كانت المقاومة غير منتزعة، لبنان الديمقراطية، هو لبنان الاتفاق والتوافق المستقل بإرادته، السيد على أرضه، وأجوائه ومياهه الاقليمية، وعرّاب حياته التي يريدها أن تكون ملونة ومختلفة بلا وصاية غربية، ولا ولاية الفقيه، لبنان الفسيفساء المزخرفة بالحب والأمل.
لبنان الذي نعرفه، هو لبنان الجميل بكل ما فيه من زرع وإنسان، وجبال، وبحر، وعتابا وميجانا، قمر مشغرا، ودرّاق بكفيا، وفيروزيات الصباح البكر، آهات نصري شمس الدين، ووديع الصافي، الشِعر المعرق برائحة اليانسون، وعنب باخوس، سعيد عقل، وجوزيف حرب، وطلال حيدر، ضجيج المطابع، وثرثرات مقاهي المثقفين والسياسيين المتقاعدين، الذوق في كل شيء، لبنان شيء آخر.
ولبنان الذي يريده اللبنانيون، ونحن معهم، هو لبنان العَمار لا الخراب والدمار، المتحد والمؤتلف والمتحابب أهله، لا المجزأ، والمتحارب أبناؤه.
لقد جرب اللبنانيون، أو لنقل جربت على أرضهم، 15 عاماً من الحرب الأهلية، قبل أن يجلسوا إلى بعضهم بعضاً في الطائف برعاية عربية سعودية وتحت مظلة أرزة لبنان وعلى أرضية لا غالب ولا مغلوب.. بس «راجع.. راجع يتعمر.. راجع لبنان».
دفع الجميع الثمن، وكان ثمناً باهظاً قوامه مئات الآلاف من الأبرياء والضحايا والمغدورين والمعطوبين والمهجرين، غير خراب الديار وتوحش قلوب العباد.
ومازال جيل الحرب الأهلية قائماً، وعليه أن ينقل إلى الجيل الحالي ما فعلته تلك الحرب الأهلية المجنونة بلبنان واللبنانيين، حتى ذهب لبنان مثلاً فقيل مفهوم «اللبننة» كناية عن الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر.
لن نسأل اللبنانيين السؤال المؤلم: هل تريدون عرّقنة لبنان؟ بعدما فشل العراقيون مع الأسف في الاجابة على سؤال هل تريدون عراقكم أن يصبح لبنان الثمانينيات؟!
فنحن على مسافة واحدة من كل اللبنانيين، المحبين لوطنهم وأرزهم وعروبتهم واستقلالهم ومقاومتهم من أجل حياة أفضل، والحريصين على وحدة ترابهم ومصيرهم وحريتهم وديمقراطيتهم.
إنه السباق المحموم بين الحل، واللا حل، أو لنقل بصراحة: بين الحل والاستعصاء على الحل، أما الحل فهو موجود، وفي بيروت أولاً قبل العواصم العربية والدولية.
وبالأمس كان الشوط الأخير من هذا السباق، بعد ما وضع الساسة الحل في الثلاجة، وتركوا القلوب تغلي على مرجل الانتظار الصعب والترقب الأصعب.
«فضّوها سيرة» وانتخبوا رئيساً لكل اللبنانيين، انتخبوا الأوفر حظاً، حتى لا نقول الأفضل، فليس بالضرورة أن يكون الفائز هو الأفضل، إنما الضروري أن يكون الفائز لبنان كله، وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، بل اتفاق وتوافق.. هكذا كان لبنان وهكذا يستمر لبنان.
قالت العرب: اشتدي أزمة تنفرجي.. ونتساءل مع اللبنانيين، هل «أرّبت.. تنحل»؟ أم أن كل الأبواب مفتوحة على جهنم؟
المصدر: الاتحاد