المؤتمر العالمي للتسامح والأخوة الإنسانية.. لماذا؟

آراء

مما لا شك فيه أن العالم بأسره يمر بمرحلة تحول تاريخي منذ مطلع الألفية، التي شهدت انهيار جدار برلين، وذوبان المنظومة الاشتراكية، واستفراد القطب الأوحد، الذي تولى منفرداً مهمة قيادة العالم عبر ترويج مفهوم النظام العالمي الجديد، الذي بزغ فجره مع هبوب رياح العولمة، وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات، وإملاءات منظمة التجارة الدولية، وترويج سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تشكل في مجملها سلسلة من الوقائع أعاقت، بل عرقلت حركة النمو والتطور الاقتصادي في أرجاء عديدة من العالم، وتسببت في إشعال «بؤر الصراع الطائفي»، كما تفاقمت معها التباينات السياسية بأشكالها المتعددة.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة، من منطلق إيمانها ببناء الإنسان وترسيخ مبدأ الإنسانية والتسامح، بادرت حكومتها بإنشاء وإقامة وزارة معنية بالتسامح، التي تعد الأولى من نوعها على مستوى العالم.

وذلك تقديراً للتنوع الثري للثقافات المتعددة لأكثر من 200 جنسية مختلفة موجودة على أرضها، ضماناً منها لنشر العدل والتسامح وتجنب التحيز في التشريعات وفي إنفاذ القوانين وإتاحة الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل شخص على أرض الإمارات دون أي تمييز، والتأكيد دوماً على قبول الآخر فكرياً وثقافياً ودينياً وطائفياً.

ومن هذا التوجه والمنطلق الإيماني الراسخ بمبادئ الإنسانية والتسامح، خصصت دولة الإمارات عام 2019 عاماً للتسامح، وهو العام الذي شهد اللقاء التاريخي بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي، وصدرت عنه «وثيقة الأخوة الإنسانية» من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، التي وضعت إطاراً لدستور عالمي جديد يرسم خريطة طريق للبشرية نحو عالم متسامح، كما دشنت على أرضها بيت العائلة الإبراهيمية، الذي يجسد حالة التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في دولة الإمارات.

وخلال رئاستها مجلس الأمن في يونيو 2023، قادت دولة الإمارات جهود اعتماد القرار التاريخي رقم 2686 بشأن التسامح والسلام والأمن الدوليين الذي تضمن لأول مرة إقراراً دولياً بوجود ارتباط بين خطاب الكراهية وأعمال التطرف والسلام والأمن الدوليين، كما حث القرار على نشر قيم التسامح والتعايش السلمي.

الجدير بالذكر أن دولة الإمارات أطلقت العديد من الجوائز العالمية التي تحتفي بجهود الأفراد والكيانات التي تصب في مصلحة تعزيز التعايش السلمي، منها: «جائزة زايد للأخوة الإنسانية، وجائزة محمد بن راشد للتسامح، وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي، وجائزة الإمارات العالمية لشعراء السلام».

وقد افتتح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، أعمال الدورة الـ5 من المؤتمر العالمي للتسامح والأخوة الإنسانية، الذي تنظمه وزارة التسامح والتعايش بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، وجائزة زايد للأخوة الإنسانية، بحضور نخبة من القيادات الفكرية والدينية من مختلف أنحاء العالم.

مؤكداً معاليه أهمية إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تخصيص 2025 ليكون «عام المجتمع» في الدولة، مشيراً إلى أن هذا الإعلان يعكس التزام دولة الإمارات ببناء مجتمع متماسك اجتماعياً ومستدام اقتصادياً يحافظ على التراث الثقافي الإماراتي الفريد ويستمد قوته من تنوع الثقافات التي تعيش على أرضها، ما يسهم في تعزيز الجهود المستمرة لتشجيع الأفراد والعائلات والمؤسسات على العمل معاً من أجل مجتمع مزدهر ومتعاون، متابعاً:

ونحن في الإمارات نعيش معاً في سلام وانسجام رغم التنوع الثقافي واللغوي والديني، لأننا نتحاور مع بعضنا بعضاً، ونسعى لفهم واحترام الآخرين.

وغني عن القول إن الإمارات تقدر التنوع الثقافي وتعزز التسامح بين المقيمين كافة، وهي تدرك أن كل فرد يسهم بمجموعته الفريدة من المهارات والخبرات في بناء مجتمعنا.

كما تحدثت في الجلسة الافتتاحية باتريشيا سكوتلاند كيه سي، الأمين العام للكومنولث، حول تعزيز الكرامة الإنسانية والأخوة الإنسانية بين الأمم، في حين تناولت كاثرين سامبا بانزا، الرئيسة السابقة لجمهورية أفريقيا الوسطى، موضوع «مفترق طرق.. حقوق الإنسان في تعزيز التعايش السلمي».

واستعرضت الدكتورة عزة كرم، الأمين العام الفخري لمنظمة «أديان من أجل السلام الدولية»، دور الحوار بين الأديان في الحفاظ على الكرامة الإنسانية والسلام في المجتمعات المتنوعة.

إن قيم التسامح والسلام في المجتمع الإماراتي ليست حديثة العهد، وإنما هي قيم متأصلة في سلوك ومنهاج الشخصية الإماراتية التي رسخها وغرس بذورها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في شعبه وأبنائه، لتصبح واقعاً يشعر به كل من يتعايش على أرض إمارات الخير والسلام والتسامح والعطاء.

المصدر: البيان