كاتبة واخصائيه اجتماعية
أسباب النجاح والتفوق في أي مجال يشترط الشعور بالمسؤولية، وممارستها حقيقة، لأن من خلالها تنطلق الأدوار الرئيسة في حياة كل منّا.
دور أسري، واجتماعي، واقتصادي، ومهني، وشخصي ذاتي، كل هذه الأدوار مطالبون جميعاً كأفراد بالقيام بها، لبناء أنفسنا وبيئتنا الصغيرة والكبيرة، ومهمة جداً في بناء مجتمع واعٍ ومسؤول يتخطى الصعاب ليكون له حضوره، ودور في توفير حياة رغيدة له، وليكون أيضاً له بصمة وحضور أمام المجتمعات الأخرى.
ثقافة المسؤولية تكاد تكون ضعيفة أو هشة في مجتمعنا، وهذا يجعلنا نسأل هل نحن كأفراد نمتلك حس المسؤولية؟ وهل هي متفاوتة أم سمة غالبة في المجتمع؟
للأسف نحن نفتقد إلى الشعور بالمسؤولية، وكأننا نعيش في غابة، إذ إن الكل يبحث عن مصلحته وظروفه، من دون مراعاة المسؤوليات والأدوار المطلوبة منه، وإن عملنا شيئاً اعتقدنا أننا صنعنا معجزة «ما»، والحقيقة أن هذا الدور هو المطلوب من الأفراد القيام به من دون منّة أو جزاء.
نلاحظ أن الشعور بالمسؤولية يتأزم يوماً بعد يوم، وللأسف عندما يكون في مواقع مهمة مثل المؤسسات الاجتماعية، أو الدينية، أو الصحية، أو التعليمية، يكون أثره سلبياً جداً، لأنها الأنموذج الذي يتعلم الفرد منه الانضباط، والحيوية، والمسؤولية، أو العكس أنموذج يتعلم منه تغليب المصالح الشخصية على المصالح الأساسية، أو يتعلم منها اللامبالاة من طريق إهمال هذه المؤسسات لحقوق عمالها وموظفيها، ما يشعرهم بالغبن والغضب، ومن ثم الإهمال وعدم التقيد أو الشعور بالمسؤولية تجاه أعمالهم أو وظائفهم.
كم مرة سُئل فيها بعضنا، لماذا خرجت من عملك باكراً؟ أو لماذا نسبة غيابك عالية؟ أو لماذا لم تنجز معاملة «ما» سريعاً؟
ستجد الإجابات متنوعة، لكن داخلها يستوطن عدم الشعور بالمسؤولية تجاه وظائفهم، بل البعض لا يشعر بالانتماء لها، ينتظر آخر الشهر للحصول على الراتب فقط، لماذا؟
ونقيس على ذلك في شخصية أبنائنا التي يغلب عليها التململ والجمود، عندما تطلب من أبنائك شيئاً «ما»، يقوم بإحضاره بملل أو إكراه، أو «يتمنن» عليك بذلك، أو يفعله خائفاً منك، لماذا؟ لأننا لم نعزز لديهم حب العمل والنشاط وحرية الرأي كما يرغبون، تعاملنا معهم من طريق الأمر والنهي والفرض، لم نشعرهم يوماً بأهميتهم أمامنا أو أمام أنفسهم، وبعد أن يكبروا وينضجوا نتفاجأ أنهم نسخة متبلدة واتكالية لا تستطيع أن تتخذ حتى القرار عن نفسها، لذا كان البعض منهم لقمة سهلة للتطرف أو الانحراف، غاب الشعور بالمسؤولية الجادة في تحصين أنفسهم بالمحبة والاحترام التي يفترض أن تكون منذ الصغر، وتعويدهم على الاعتماد على أنفسهم في إظهار وجهة نظرهم واحترام اختياراتهم، مع مراعاة التوجيه الصحيح لهم بطرق غير مباشرة، والتي تشعرهم بالقوة لا الضعف.
وما يحبط الآن الشعور بعدم تحمل المسؤولية من الجهات المراقبة في الألعاب والأشرطة التي تباع – عينك عينك – في المكتبات، وما تحويه من تحريض واضح ومباشر على ألعاب العنف والقتال، التي تشترط في إحدى مراحلها أن تقوم بأفعال سيئة ومنحطة أخلاقياً، وللأسف تقع هذه الألعاب في أيدي أبنائنا التي لم تتجاوز أعمارهم التاسعة، تتفتح ذهنيتهم على القتل والجنس والأخلاق السيئة جداً، وهنا تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على الأسرة، ومن ثم الجهات المعنية بمراقبة دخول هذه الألعاب إلى البلد، وأيضاً للأسف بيعها في محلات ومكتبات رسمية همها الوحيد هو الربح المادي، هنا من يتحمل مسؤولية ضياع أبنائنا!
وهناك من يلقي اللوم على الأشخاص والظروف، وينهزم عند أول عقبة يتعرض لها في الحياة، فيختار حياة البأس والتبلد، وإن تحدثت معه جعل يذكرك بكل قسوة العالم والناس والظروف، على رغم أنه هو الوحيد المسؤول الذي جنى على نفسه في عدم تحمل المسؤولية تجاه نفسه، ومساعدتها والخروج من تلك الدائرة الضيقة.
إذاً، المسؤولية هي مسؤولية الجميع من دون استثناء، مسؤولية المسؤول والقائد، والفرد والعامل، والآباء والأبناء، مسؤولية تقع على الجميع، لا بد أن ندرك أن جميعنا لدينا أدوار ومسؤوليات وواجبات وحقوق تجاه أنفسنا وكل من حولنا، متى ما شعرنا بالمسؤولية الجمعية استطعنا تجاوز العديد من تحديات الحياة.
المصدر: صحيفة الحياة