إلى جانب تطوير العلاقات بين السعودية وفرنسا، ووسط توقعات بتوقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، ستكون القضايا والملفات الإقليمية الساخنة على طاولة النقاش في اللقاء المرتقب الذي سيجمع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، حيث سترتدي أهمية على المستويين السياسي والاقتصادي، حيث يسعى البلدان إلى توثيق علاقاتهما ووضعها في إطار الشراكة بعيدة المدى التي يسعيان لبنائها.
وتشمل هذه العلاقات الشراكات الاقتصادية والاستثمارات المتبادلة المباشرة، وتنشيط التبادلات التجارية، والتعاون الدفاعي والعسكري، بالإضافة إلى القطاعات الثقافية والتربوية والصحية والسياحية.
وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تعول كثيرا» على الزيارة وعلى لجنة المتابعة التي أطلقت بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها الرئيس هولاند إلى السعودية نهاية 2013. وأضافت أنه «أعيد التأكيد على ذلك مرتين: الأولى بمناسبة مجيء العاهل السعودي إلى باريس في زيارة رسمية في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي عندما كان وليا للعهد، وخلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى الرياض أوائل مايو (أيار) من العام الحالي».
وبالنظر لكون الأمير محمد بن سلمان مشرفا على لجنة المتابعة من الجانب السعودي، فإن الجانب الفرنسي يعول على الزيارة التي ستشهد اليوم اجتماع اللجنة للمرة الأولى منذ إطلاقها لدفع العديد من الملفات إلى الأمام، وكذلك التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات والعقود في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والدفاعية، الأمر الذي سيتم في قصر الإليزيه بمناسبة الاجتماع الذي سيضم الرئيس هولاند والأمير محمد بن سلمان.
وأفادت المصادر الفرنسية بأن مناقشة القضايا الإقليمية التي تشمل أزمات المنطقة من سوريا إلى العراق والحرب على الإرهاب والنووي الإيراني والوضع اللبناني والحرب في اليمن ستهيمن بالدرجة الأولى على محادثات الإليزيه. أما المسائل الدفاعية والعسكرية فسيناقشها الأمير محمد بن سلمان بصفته وزيرا للدفاع تفصيلا مع نظيره جان إيف لودريان، الذي زار المملكة السعودية العديد من المرات. وبحسب المصادر الفرنسية فإن عقدا دفاعيا يتناول القطاع البحري سيتم توقيعه بين الجانبين. وينتظر أن يتناول الجانبان المراحل التي قطعها تنفيذ اتفاق توريد أسلحة فرنسية إلى الجيش اللبناني بموجب الهبة السعودية التي تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار.
وتعتبر باريس أن «المناخ الجيد» الذي يخيم على العلاقات الثنائية الفرنسية – السعودية يوفر الشروط الضرورية لتنمية وتوسيع العلاقات المشتركة في كل المجالات. وترغب فرنسا، وفق ما تقول مصادرها، في أن «تواكب» السعودية خطط البناء والتنمية، وأن تكون شريكا في القطاعات الاقتصادية والتقنية التي تتمتع فيها بخبرات معروفة ومؤكدة. وتقول باريس إن الشراكة التي تسعى إليها مع السعودية تتضمن البعد التنموي الاقتصادي والاجتماعي لدى الطرفين، وكذلك المساعدة على توفير فرص العمل، الأمر الذي يشكل أحد اهتمامات الدولة السعودية.
وفي الدرجة الأولى، تسعى باريس لاجتذاب الاستثمارات السعودية المباشرة في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد الفرنسي، بحيث لا تبقى محصورة في الصفقات العقارية على أهميتها أو في العمليات المالية والبورصية. ورغم وجود مجلس أعمال فرنسي – سعودي غرضه تشجيع الشراكات والمتبادلات، ويرأسه من الجانب السعودي محمد بن لادن، ومن الجانب الفرنسي جان لوي شوساد، فإن الاستثمارات المباشرة ما زالت غير متكافئة. وتبين أرقام وزارة الاقتصاد الفرنسية أن الاستثمارات الفرنسية المباشرة في السعودية تبلغ نحو 15 مليار دولار، بحيث تحتل فرنسا المرتبة الثالثة لجهة حجم استثماراتها، بينما الاستثمارات الاقتصادية السعودية في فرنسا لا تصل إلى المليار دولار.
واليوم، تشهد باريس، بمناسبة زيارة الأمير محمد بن سلمان أول اجتماع للجنة المتابعة لمجلس الأعمال السعودي – الفرنسي يحضره وزير التجارة والصناعة السعودي الدكتور توفيق الربيعة، الذي يلقي كلمة السعودية، فيما يعرض مدير عام الهيئة العامة للاستثمار عناد العبد القادر الفرص الاستثمارية في المملكة، إضافة إلى عرض أوضاع القطاعات الزراعية والصحية والإسكانية في المملكة، فيما يغيب عن اللقاء المسؤولون الفرنسيون.
وفي قطاع الشراكات، تعمل السعودية وفرنسا على دفع التعاون في قطاع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، أحد القطاعات الرائدة التي يرغب الطرفان في توثيقها ودفعها إلى الأمام. ومن المعروف عالميا أن فرنسا تتقدم على الدول الأخرى بأشواط بسبب تركيزها، منذ السبعينات، على الإكثار من بناء المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية التي تمتلك منها في الوقت الحاضر 58 مفاعلا توفر 75.2 في المائة من الطاقة الكهربائية المستخدمة. وتحتل شركة كهرباء فرنسا التي تقوم بإدارة المفاعلات النووية المرتبة الأولى في العالم لجهة حجم الكهرباء المنتجة نوويا، وبسبب هذه الخبرة عمد البلدان منذ عام 2011 إلى توقيع اتفاق ثنائي للتعاون في ميدان الطاقة النووية المدنية. وقد أنشئت لجنة نووية مشتركة تمثل صلة الوصل بين البلدين، وتسعى لتحديد أشكال التعاون في كل مفاصل الدورة النووية المدنية، بما في ذلك تحديد الشركات السعودية التي يمكن أن تسهم في بناء المفاعلات.
وتشمل مجالات التعاون توفير الخبرات القانونية وتأهيل الفنيين واستقبال المتدربين والتقنيين السعوديين في فرنسا، فضلا عن التعاطي مع ملف النفايات النووية. وينتظر أن يوقع الطرفان اتفاقية جديدة في القطاع النووي تكمل الاتفاقية السابقة. وقالت المصادر الفرنسية إن اهتمام المملكة بامتلاك صناعة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية رغم الاحتياطيات التي تملكها من النفط والغاز فضلا عن اهتمامها بالطاقة المتجددة والنظيفة يعكس مدى سعيها لاستباق مرحلة ما بعد النفط واهتمامها بموضوع البيئة. وستشهد باريس نهاية العام الحالي انعقاد قمة المناخ العالمية التي ينتظر أن تخرج بتوصيات عملية. وقالت المصادر الفرنسية إن باريس تريد أن تكون الجهة التي تبني أول مفاعل نووي في السعودية وفق أفضل معايير السلامة الدولية.
وفي نظرة على الشركات الفرنسية التي توجد في السعودية، يتبين أن حضورها يشمل القطاعات الاقتصادية الأساسية مثل المياه والنقل والصناعات الغذائية والبنوك والتأمين والصحة والسياحة والخدمات والطاقة والصناعات الكيماوية. وفي قطاع الطاقة الكهربائية، تنتج شركة «السويس – غاز فرنسا» التي تحول اسمها حديثا إلى «أنجي» نحو 10 في المائة من الطاقة المستخدمة في السعودية. كما يبرز دور الشركات الفرنسية مع شركة «توتال» التي بنت بالاشتراك مع «أرامكو السعودية» إحدى أكبر مصافي التكرير في العالم. وخلال العامين الماضيين، فازت الشركات الفرنسية بعدد من العقود الرئيسية في السعودية منها عقد لشركة «ألستوم» من أجل بناء 3 خطوط من مترو الرياض، وآخر لهيئة النقل المشترك في باريس (RATP) التي كلفت إنشاء شبكة للنقل المشترك بواسطة الحافلات في العاصمة السعودية بالاشتراك مع مجموعة «سابتكو» السعودية.
أما على صعيد المبادلات التجارية، فإن الأرقام تبين أنها تطورت في السنوات الثلاث الأخيرة لتزيد في العام الماضي على عشرة مليارات يورو في القطاعات المدنية وحدها. وكانت في عام 2013 قد ارتفعت بنسبة 8 في المائة قياسا لعام 2012، إذ وصلت إلى 9.4 مليار يورو. بيد أن باريس تشكو من أن مبيعاتها «المدنية» للسعودية ما زالت دون المستوى المطلوب، إذ إنها للعام الماضي لم تتخط سقف المليارات الثلاثة، الأمر الذي يبقى دون الطموحات الفرنسية ودون ما تريده باريس من حصة في السوق السعودية.
باريس: ميشال أبو نجم – الشرق الأوسط