لا يمكن أن تذكر الرواية في الوطن العربي، من دون أن تعنون باسم واسيني الأعرج، فهذا الروائي العربي جاء من صلب الكتابة التجديدية، متحدثاً باسم التعبيرية الجديدة، وفي نظر واسيني الأعرج، أن اللغة هي اليقين، وهي لسان حال الورطة اللذيذة، لكل من دخل غرفة هذه (الجميلة) وعاشر أبجديتها، ولمس في مهجتها عنفوان الممارسة المنهجية، والسرد الممنهج، كونه رجلاً أكاديمياً، له في الخطاب الأدبي ما يستحث وجدان الكلمة، وما يحرض الجملة الروائية على بث لواعج الحلم البشري، في الوجود، كون الرواية في الأساس هي سؤال الوجود الأول، وهي كما قال الفيلسوف الأميركي وليم جيمس، ليست حقيقة موضوعية، بل هي طريقة تفكير، ولهذا السبب، أجاز هذا المبدع الاستثنائي لنفسه بأن يخرج من شرنقة الكسل اللغوي، إلى مدى الانفتاح على آخر حدود الكلمة، وعبر واسيني الأعرج عن هذا النموذج في روايته الملحمية، (الليلة السابعة بعد الألف) بجزأيها (رمل الماية، والمخطوطة الشرقية)، والتي لاقت جدلاً عميقاً لدى النقاد.
وفي هذه الملحمة، الرواية، غذى واسيني الأعرج مخيلتنا، بترياق العودة إلى التاريخ ليس من باب الترسيخ، وإنما من وجهة نظر كاتب مبدع أراد أن يهز الشجرة، العملاقة، كي يسقط أوراقها الصفراء، ويستعيد لها رونقها التاريخي، ويمنحها لياقتها التاريخية، وكون (العربية) لغة المخيال، وهي كذلك لغة الصورة المنبثقة من رحم السؤال الوجودي الذاهب في أعماق السيرة الذاتية للإنسان بشكل عام، ومن هنا شعرنا بالفرح ونحن نتلقى فوز هذا النابغة، بجائزة النوابغ، كونه السارد لوجدان عربي بات اليوم في أمسّ الحاجة، للغة تستعيد الزمن الهارب من أخلاقيات الأدب الحقيقي، وبخاصة أن هناك اليوم شيئاً ما يختلج في وجدان الحضارة الحديثة، ويتركز في تحويل العمل الإبداعي إلى ترس في الآلة، كما هو الإنسان، الأمر الذي سوف يحول هذا الإنسان إلى آلة صماء، خرساء، لا شيء يحركها مهما بلغت من تقدم تكنولوجي، وهو الأمر الذي تحدث عنه إدغار موران حين قال: إن التقدم التكنولوجي، والاقتصادي، لا يضمن التقدم الثقافي والأخلاقي. وهو الأمر المرعب الذي يحرك في دواخلنا نوازع الفزع، من طمس الهوية البشرية، وتلاشي الوعي بأهمية أن نكون جزءاً من الواقع، والتحول إلى الهامش، ومن ثم، الدخول في أسئلة اللا ممكن، حين يتعلق الأمر، بالجنس البشري، كنوع يقود قافلة الوجود.
شكراً لك أيها الصديق، وشكراً لهذا البلد العظيم الذي يضع النقاط على الحروف، عندما يتعلق الأمر بأهمية أن نكون في قلب المسألة الحضارية، وليس عند الحواف، والهوامش.
الإمارات دائماً في المقدمة، عندما يرتبط الأمر بمصير الإنسان ومستقبله، وحياته، وأهدافه، السامية، وطموحاته، وتطلعاته لمستقبل، يكون فيه الأدب هو نقطة الارتكاز لأي تطور.
المصدر: الاتحاد