كاتبة إماراتية
نواجه هذه الأيام مخاطر صعود قوى التطرف باسم الدين، ونذكر أنفسنا بأهمية قوى الاعتدال، ودورها في مواجهة مثل هذه القوى، فقبل 25 سنة وصلت «طالبان» إلى السلطة في كابول، وفتحت الباب لاستضافة جماعات متطرفة، كانت على رأسها جماعة «القاعدة». استفادت «القاعدة» من حماية «طالبان» لها، وسواء أكانت «طالبان» تعلم بما تخطط له «القاعدة» أم لا، فإن العالم انتهى إلى أحداث سبتمبر/أيلول. دفعت «طالبان» ثمناً غالياً، وخسرت السلطة، لكن العالم دفع ثمناً أكبر، وعمت وانتشرت ظاهرة الإرهاب الذي لا يهدد أرواح الناس فقط؛ بل يستهدف أنماط الحياة والثقافات والتعايش الذي بناه الإنسان على مدى قرون من الزمن.
ربع قرن كانت فيه الإمارات صرحاً للأمن الداخلي والإقليمي، أسهمت في كل ما يعزز الاستقرار، وينأى بالشعوب عن تداعيات الإرهاب، الذي واجهته بكل أشكاله، بوعي استثنائي لم يفرق بين الإرهابي المستعد لقتل الناس وقتل نفسه، والإرهابي الذي يبث الفكر الذي يؤسس لبيئة الإرهاب، وواجهته بالنموذج والتنمية ورفاه الشعب وأخلاقيات لم تلوثها السياسة.
اليوم تصل «طالبان» إلى الحكم مرة أخرى، وتبرز الحاجة إلى النموذج الإماراتي في كل شيء؛ من الأمن إلى التنمية، والتعاون الإقليمي، ومحاربة الإرهاب؛ بل وأقول إلى ضرب المثال حتى لنماذج مثل «طالبان» لعلها تكون استوعبت الدرس، وأن تفهم بأن الالتفات إلى مصلحة الشعب هو غاية أي حكم، لتحقيق الأمن والرفاهية.
ها هي الحركات المتشددة التي خربت منطقتنا، وحولتها إلى أرض حرب وعدم استقرار، تهنئ «طالبان»، وتتشفى بهزيمة الولايات المتحدة، ولا تقول لنا إن كان نموذجها في الخراب أو نموذج «طالبان» التسعينات هو ما تتمناه للمنطقة. وهنا الخراب ليس ما تخلفه الحروب من أطلال فقط؛ بل ضياع الأجيال ويأسها، وتوقف عجلة التنمية، وهجرة العقول، وتحول شعوب كاملة إلى مهجرة في أرضها أو مهاجرة في أرض الغربة.
كانت دولة الإمارات من أوائل الدول التي اعتمدت استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف؛ وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية، وهي المحور القانوني والتشريعي، والمحور الديني والثقافي، والمحور الإعلامي والاجتماعي. غرست الإمارات قيم الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح في المجتمع، وعملت على تعزيزها، باعتبارها حائط الصدّ الرئيسي في مواجهة التطرف الذي يتربص بالمجتمعات العربية والإسلامية، والإسهام في تنمية الوعي الديني والثقافة الإسلامية من خلال دعم الجهود البنّاءة، التي تسير في اتجاهات عدة، لعل أبرزها: دعم جهود إصلاح الخطاب الديني، والعودة إلى الصورة السمحة للدين الإسلامي الحنيف على أساس من شأنه التصدي لنزعات التطرف والتشدد التي يحاول البعض فرضها على الخطاب الديني.
إن الإرهاب الذي تعيش ويلاته شعوب المنطقة غير مرتبط بدين أو عرق أو ثقافة معينة؛ بل هو، شأنه في ذلك شأن الإجرام الإرهابي ظاهرة كونية يتعين التصدي لها بمنظور شمولي، وفي إطار دولي متماسك. إن السلام والوئام والتعايش السلمي الذي نراه الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة لم يأتِ من فراغ؛ بل كان نتيجة طبيعية للنظرة الثاقبة للمؤسس الراحل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه؛ حيث أسسها لتكون دولة يعم فيها السلام والأمن، ويتعايش فيها الناس من مشارق الأرض ومغاربها. إن دولة الإمارات بما تملكه من قيم إسلامية أصيلة، تعطي انطباعاً جيداً وإيجابياً عن الإسلام، خاصة أنها تقع في منطقة الشرق الأوسط التي يعج فيها التطرف والإرهاب، وأصبح الإسلام الذي أنار الدنيا في الماضي، يوصف الآن بالدموية والإرهاب.
دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى استنهاض العقول والضمير، ببعث رسالة إلى الجميع أن الإسلام هو دين السلام، وأن ما يحصل من صراعات واقتتال وفتن ناجم عن فهم قاصر للقرآن والسنة، أو هو ناتج عن أهواء ومصالح شخصية.
أقول إن الدولة النموذج هي أفضل رد على مشاريع الفوضى التي تحيط بنا في كل مكان.
المصدر: الخليج