رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لم تطلب دول الخليج من باكستان قوات «مرتزقة» لتقاتل معها في «عاصفة الحزم»، وهي تدرك تماماً أن الجيش الباكستاني ليس للإيجار، كما هي مواقف بعض السياسيين هناك، لذلك لم تطلب أبداً استئجار جيش، أو مشاركة قوات باكستانية في حربها ضد الحوثيين، وكل ما أرادته دول المجلس من باكستان هو تأييد سياسي للتحالف الموجه ضد التهديد الإيراني الذي يواجهها من بوابة اليمن، وكان يكفيها فقط تأييد باكستان للتحالف، والانضمام رمزياً ولو بسيارة إسعاف واحدة تحمل العلم الباكستاني!
«عاصفة الحزم» اتضح أنها اختبار حقيقي لصداقة باكستان الحقيقية، وهي مؤشر لمدى التعويل على صلابة وقوة دورها كحليف استراتيجي لدول الخليج، ويبدو أن دول الخليج لم تكن موفقة كثيراً في التعويل على هذه الدولة، في حفظ التوازنات الإقليمية! استثمرت دول الخليج كثيراً في تقوية الروابط والعلاقات مع باكستان، ومنذ استقلالها، وقدمت إليها أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والإغاثي كافة، وفتحت أبوابها لرجال الأعمال، والعمالة، وأصحاب المهارات، وبأعداد كبيرة جداً، متحملةً تبعات وكلفة هذه الأعداد، والإمارات تحديداً وقفت بقوة مع باكستان في جميع المواقف، ووقفت معها عند كل كارثة طبيعية أو غير طبيعية، وهي دائماً كانت الملاذ الآمن لجميع السياسيين ورجال الأعمال الباكستانيين، عند الاضطرابات السياسية الشديدة التي غالباً تعصف بإسلام آباد، ودائماً تلقى قبول القوى السياسية كافة، لأن الإمارات كانت دوماً حريصة على ألا تكون طرفاً في الصراعات الحزبية الباكستانية، لذلك فعلاقاتها كانت متميزة مهما تغير الحزب الحاكم ورئيس الوزراء، لم يكن ذلك من أجل الحصول يوماً على مقابل، وليس في ذلك منة، ولكن كان ذلك كله استثماراً في علاقات وروابط لبناء حليف استراتيجي له قيمته ووزنه وموقفه الداعم عند الحاجة.
لكن ذلك كله تحطم أمام قرار البرلمان الباكستاني، الذي رفض المشاركة في تحالف «عاصفة الحزم»، وأمام تناقضات التصريحات الحكومية الباكستانية، فقد كان الموقف الباكستاني مفاجئاً وصادماً، ومع إدراكنا وإيماننا بأهمية ومكانة البرلمان الباكستاني، وحريته في إبداء وجهة نظره، إلا أن المفاضلة بين دول الخليج بكل ثقلها، ومواقفها السابقة الداعمة، وكل ما قدمته وتقدمه إلى باكستان، وبين إيران، كان يجب أن تنحاز إلى دول الخليج، ومع الأسف هذا لم يحدث!
ليس البرلمان الباكستاني وحده الذي لم يثمن ولم يقدر دول الخليج، بل الحكومة الباكستانية أيضاً سعت للتسويف والمماطلة والتلون في الموقف والتصريحات للتهرب من المشاركة، وأكدت ذلك بمجرد تحويلها قضية المشاركة في التحالف للبرلمان، وليست الحكومة وحدها بل حتى الرأي العام، وردود الفعل «الصاخبة» من أصحاب رأي وجمهور من مختلف الشرائح الباكستانية حول «عاصفة الحزم» والموقف الخليجي، جميعها تشير إلى أن الرهان على هذه الدولة كحليف استراتيجي مستقبلي ينبغي إعادة النظر فيه وبشدة!
بالنسبة لنا كخليجيين، فإن «عاصفة الحزم» ليست نزهة ندعو أصدقاءنا للتنزه معنا فيها، هي معركة لحماية أمننا واستقرارنا، وقرار الحرب لم يتخذ إلا بعد وجود تهديد إيراني مباشر في خاصرة المملكة العربية السعودية، ومحاصرة واضحة لشبه الجزيرة، وتهديد لممر استراتيجي مهم ستؤدي السيطرة عليه إلى خنق الخليج، ودعوة الأصدقاء والحلفاء للمشاركة كانت ضرورة سياسية لحشد الدعم الدولي، وهو في هذه الحالة أهم من المشاركة الفعلية الميدانية، تماماً كما حدث في أفغانستان والصومال ودول البلقان، وهذا ما لم تفهمه باكستان التي لم تثمن علاقتها بدول الخليج وتخلت عنها، لذلك ومن غير ردود فعل انفعالية مباشرة، على دول الخليج أن تعيد تثمين علاقتها الاستراتيجية بباكستان على المدى البعيد، فهي لا يمكن أبداً أن تكون حليفنا الاستراتيجي الموثوق به!
المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2015-04-13-1.774512