في ميثاق الأمم المتحدة “على الأمين العام للأمم المتحدة أن يكون محايدًا أكثر ما يمكن؛ ولهذا دائمًا ما يكون الأمين العام للأمم المتحدة لا يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن”.
ربما لم تعد العينان النافذتان للسيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بالمستوى نفسه، ليس لقراءة جزء من الميثاق، بل الأهم لتطبيقه.
في المعايير الأخلاقية التي تتشدق بها الأمم المتحدة، وربما هو القَسَم لكل أمين عام جديد يتم تنصيبه، أن يقول “سأسعى إلى تطبيق أعلى مستوى للمعايير الأخلاقية. إن السمعة الطيبة للأمم المتحدة رصيد من أثمن أرصدتها”. وربما لم يعد لديها سمعة – حقيقةً – في قلوب البشرية!
من الظريف أن يطالَب أي أمين جديد للأمم المتحدة علنًا بإقرار الذمة المالية الخاص به، وهو ما حصل مع الكوري الجنوبي، لكن ما كان ينقصه حتمًا قياس مستوى الذمة الإنسانية والحياد والإنصاف..
أعاجيب “مون”:
بالأمس فاجأ بان كي مون المنصفين بإدراجه التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية وأشقاؤها لإنقاذ الشقيقة اليمن – بناء على طلب الشرعية – على قائمة سوداء سنوية بالدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال خلال الصراعات، وذلك في انتقاد شديد للتحالف الذي يحارب في اليمن؛ لقتله وتسببه في تشويه أطفال..!!
أعاجيب “مون” – في الحقيقة – لم تعد مستغرَبَة؛ فهو لم يجد حرجًا في تطبيق المثل السعودي الدارج “شين وقوي عين”؛ فقبلها جاءت خطة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب؛ لتساوي بين القاتل والضحية.. الكثير يمكن أن يُقال مؤخرًا بعدما نجح “مون” في نسف ما تبقى من سمعة الأمم المتحدة.
في تقرير لـ”رويترز” حول ذلك أبدى دهشته من القفز على حادثة “ضربة جوية أمريكية دموية على مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في قندوز بأفغانستان، رغم قوله إن الهجوم نفذته (قوات دولية)، ولم يدرج الولايات المتحدة في القائمة السوداء!”. الحقيقة، إن الاختيار بالقائمة يتم لكل “من لا يسمع الكلام ويرفض الابتزاز”.. وأيضًا أبرز حقيقة من يدير “الروبوت”.
العقاب لـ”مون”:
الانتقادات للمسؤول الكوري الجنوبي السابق ليست حديثة عهد، ولا جديدة، ولا قديمة.. بل إن منها ما جاء من داخل الأمم المتحدة نفسها. فعلى سبيل المثال: “مسؤولة مكتب خدمات المراقبة الداخلية المكلف بمكافحة الفساد في الأمم المتحدة إينغا بريت الينوس قدَّمت تقريرًا، اتهمت فيه الأمين العام بإعاقة عامة، وخاطبت الأمين بان كي مون بالقول إن أعماله ليست مؤسفة فقط، بل تستحق العقاب”.
وعلى خط حقوق الإنسان، وفي تقريرها السنوي لعام 2010، انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش كي مون بشدة متهمة إياه بالفشل في الدفاع عن حقوق الإنسان في الدول ذات “الأنظمة القمعية”.
معلومات مغلوطة:
مواقف و”بطولات” مون الخارقة أكثر اتجهت نحو الذين امتلكوا الحقوق في الدفاع عن أنفسهم، أو أراضيهم، أو استباق التهديدات.. بل إن أعجوبة “مون” الكبرى هذه المرة أن يصبح “هالك” الكبير؛ فيدرج تحالفًا بكامله في قائمة سوداء، لم تتسع لكل الجرائم الغربية والتداخلات الإرهابية، مثل الحضور الروسي في سوريا، والانتهاكات الغربية في مناطق النزاع العالمي، سواء بالوكالة أو من “وراء حجاب”..
الاستشهادات كثيرة، منها تصريح “مون” الغريب حول شأن داخلي مصري؛ ليسارع السفير حسين هريدي مساعد وزير الداخلية الأسبق للتأكيد “الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة اعتمد على معلومات مغلوطة من جهات مغرضة”. ويبدو أن “مون” لم يتعب نفسه لمراجعة مصادره؛ فموقفه في قضية المغرب كان صادمًا جدًّا، وهو ما رفضته الولايات المتحدة في حينه بما وُصف بـ”الصفعة” حينها.
صورة باهتة:
لقد أصبحت صورة الأمم المتحدة صورة باهتة، لا قيمة لها؛ فقراراتها لا تُنفَّذ بخلاف ما يخدم مصالح دولها الكبرى وتلك التي تتسلح بالفيتو؛ لتنقض به في صورة فاضحة أي قرار يتعارض مع مصالحها، مهما بلغت وجاهته وإنسانيته!!
على “مون” قبل أن يضع الأبرياء والقتلة والمنصفين والمأجورين في دائرة واحدة أن يُصلح من شأن المنظمة التي أصبحت هامشية؛ إذ خسرت الكثير من مصداقية قراراتها. يقول ستيفن زونس الأستاذ في جامعة سان فرانسيسكو: إن هناك خروجًا كبيرًا على قرارات المجتمع الدولي، يتم في الغالب من دون عقاب. ويقول إنه جرى خرق قرارات الأمم المتحدة 91 مرة، كان لإسرائيل قصب السبق فيها؛ إذ تجاهلت تل أبيب منذ عام 1968 قرارات لمجلس الأمن، بلغت 32 قرارًا.
كما أن القرار 425 الخاص بلبنان بقي معلَّقًا لأكثر من ربع قرن، عاش خلالها لبنان سلسلة من الحروب الإسرائيلية، ولم يطبَّق القسم الأكبر من ذلك القرار إلا بعد اشتداد المقاومة هناك.
تجاهل الإرهاب:
هذا فيما يرى الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، أن الولايات المتحدة تمنع وصول أي قضية عربية أو إسلامية إلى مجلس الأمن، في حين أنها لا تمانع في ذلك إذا كان الأمر سيحال إلى الجمعية العامة التي لا تملك قراراتها صفة الإلزام. فأين “الكوري” من هذا السقوط المستمر؟!
ازدواجية المعايير:
أين “مون” والنزاهة العالمية مما يحصل في “الفلوجة”؟.. أين هو من قضية أن أكثر المنضمين للإرهاب العالمي ولداعش من دول غربية في حقائق مثبتة؟! لماذا لا نرى روسيا التي تقتل الأبرياء في ريف حلف ضمن هذه القائمة السوداء التعيسة؟! ولماذا لا نرى كل التاريخ الإرهابي لإسرائيل حاضرًا..؟!
“مون” الذي على وشك انتهاء فترته الثانية عليه أن يحترم الإنسانية والبشرية التي أساء لتاريخها كثيرًا؛ فالسلام العالمي أضحى أكثر تعرُّضًا للخطر، ونزاهة وسمعة الأمم المتحدة أصبحتا مثار السخرية والكراهية.
لقد حصد “مون” – بلا شك – كل ما ارتبط بازدواجية المعايير لدى الأمم المتحدة لقرابة عشر سنوات، تمثل فترتَيْ ترشيحه.
خيبة أمل:
“مون” الذي يصف التحالف العربي، الذي يقوم بدور تاريخي لحماية اليمن، بقتل الأطفال! هو يعرف حقًّا مَن يقتل الأطفال.. ومثال بسيط مؤخرًا حين نقلت تقارير صحفية أن الكثير من اليمنيين أعربوا عن استيائهم، وخيبة أملهم، من إصرار الهيئات الإغاثية ومنظمات الأمم المتحدة، أو التي تعمل على هامشها، على اعتماد مركز واحد لنشاطها، هو العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، وذلك رغم قرارات المنظمة الدولية التي تعتبر جماعة الحوثي غير شرعية. وتصف “سكاي نيوز” كيف أن عددًا من مسؤولي الأمم المتحدة تهربوا من الرد “مستخدمين تعبيرًا رسميًّا فضفاضًا، هو أن الأمم المتحدة (تعمل في جميع مناطق اليمن لتقديم العون للشعب اليمني كله)”.
وهو أمر مُخْزٍ، كررته الجهات التي يشرف عليها بان كي مون .. كررته في سوريا حيث كانت تصر على العمل فقط في المناطق التي تخضع للأسد.
سياسات الابتزاز:
إن الممارسات التي تساهم فيها قرارات “مون” تدعم سياسات “الابتزاز ” لدول معروفة، لم تعد خافية أهدافها.. وهي سياسة رخيصة، على الأمم المتحدة أخلاقيًّا – ووفقًا لقانونها – أن تقول لها “كفى”؛ فالجميع يعرف حجم النفوذ الأمريكي في المنظمة الأممية، وحجم التأثير الصهيوني داخل أمريكا، والنتائج واضحة.
على “مون” أن يدرك أن التباين والظلم الأممي في حقوق البشر غير مقبول.. وسياسات التمييز والتفرقة مرفوضة.. وأن الشعوب المغبونة لن ترضخ للإرهاب وإن تم تمريره تحت مظلة أممية!!
المصدر: الوطن الكويتية