كاتب إماراتي
سأتحدث هذه المرة عن البنوك، ليس عن طريقة عملهم أو عن تساهل المصرف المركزي معهم، وإنما عن جودة خدماتهم قبل وبعد الأزمة المالية – بالتحديد عن بطاقات الائتمان. منذ بضعة أسابيع، واجهت مشكلةً مع بطاقة الائتمان الخاصة بي حيث أودعت مبلغًا من المال فيها باستخدام جهاز الصراف الآلي إلا أن الجهاز رفض إعطائي إيصالاً بالعملية لسبب غير معروف كما أن المبلغ لم يتم إيداعه في البطاقة أصلاً. وكأي مواطنٍ حريص، قمت (ثلاث مرات فقط) بتعبئة طلب التحقق من عدم إيداع المبلغ، وأرسلته للبنك من خلال البريد الإلكتروني والفاكس (الذي صُدمتُ أنه ما زال في الخدمة لديهم). وبعد شهر من إرسال الطلب والاتصالات المتكررة من قِبَل البنك للحصول على رقم الصرّاف الآلي، على الرغم من إنه لا علم عندي عن اسم الشركة المُصنعة أو بلد الصنع إلخ. تفاجأت بأن البنك قام بالتدقيق على التاريخ والوقت الخطأ في سجل الصرّاف! قبل أن يبعث لي برسالة نصية مفادها بأنه تم حل المشكلة بينما المشكلة لم تحل أصلاً وإنما تم إلغاء الطلب.
لو كان النقاش في هذا المقال متمحورًا حول قطاع الاتصالات لكنتُ فهمتُ أن التنافسية ضئيلة مما يفسحُ المجال للشركة الموجودة أو الشركتين من التحكم بالأسعار دون أن يكون للمستهلك رأيٌ في ذلك. لكن الحديث هُنا عن قطاع البنوك؛ يوجد في الإمارات أكثر من 50 بنكًا وأكثر من 1000 فرع لتلك البنوك حسب أحدث إحصائيات المصرف المركزي 2010 !! بعد أخذ عمليات الاستحواذ والدمج التي حصلت أثناء الأزمة المالية بعين الاعتبار. لذلك، هل يمكننا أن نشيرَ إلى قطاع بطاقات الائتمان ضمن قطاع البنوك على أنه عالي التنافسية؟ أي أنَّهُ كلما زاد عدد البنوك كلما زاد التنافس الذي يفترض بدوره أن يؤثر على الأسعار ويخفضها. كما يُفترضُ أن تكون البنوك هنا غير مؤثرة على أسعار السوق وإنما متأثرة بما تحتمه التنافسية العالية وبنسبة الفائدة التي يقررها المصرف المركزي للقروض قصيرة الأجل بين البنوك (بضعة أيام) وتقوم بعدها البنوك بزيادة النسبة قليلاً لضمان جذب أكبر عددٍ ممكن من الأفراد الراغبين بالاقتراض. المتوقع هو أن تمنح التنافسية العالية الأفضلية للمُستهلك (عميل البنك)، ليس بسبب نسبة الفائدة المُخفضة فقط بل لأن الخدمة الأفضل هي التي ستجذب عدد عملاء أكبر، إلا أن ذلك لا يبدو جليًّا إلا حين تحدث الأزمة و تهرب العمالة الأجنبية لعدم القدرة على سداد أقساطها أو حين يعرض عليك البنك نسبة فائدة أقل لكونك مواطن، “لن تهرب يا عزيزي”.
أنا لم أسعَ للحصول على بطاقة الائتمان تلك، ولمن يتذكر منكم، الحملة التي قامت بها البنوك لتسويق بطاقات الائتمان بين عامي 2009 و2011 تحت شعارات “بطاقات مجانية مدى الحياة”، “0 نسبة فائدة”، “عدد لا نهائي من أميال skywards” والعديد وغيرها من العروض التي أبرزت أهمية الخدمات المصرفية للأفراد. كانت المنشورات الخاصة ببطاقات الائتمان منتشرة في كل مكان، وكان عملاء مركز الإتصال يتواصلون مع الجميع دون الحاجة لأن يكون لك حسابٌ لديهم أو لأحدٍ من أفراد أسرتك، كنت أنا من ضحايا تلك الحملة التسويقية. في ذلك الوقت، كان الخوف سائدًا بين عامة النّاس حيثُ فضل معظمهم أن لا يضعوا أموالهم إلا في البنوك، أو بشراء الذهب لمن يمتلك ثروةً أكبر؛، وبالرغم من ذلك؛ كانت البنوك متحفظة جدًّا في إقراضها فقط لمن يمتلك سجلاًّ نظيفًا في الالتزام بدفع الأقساط الشهرية ولمن أمضى في عمله سنواتٍ عدة مع مراعاة أن الشركة هذه لا تقوم بفصل الموظفين متى ما تعسرت أمورها. وبما أن بطاقات الائتمان تحمل معها مخاطر أقل مُقارنةً بالقروض الشخصية وغيرها، فيسعُكَ مثلاً أن تدفع 5% فقط من المبلغ المستخدم من الحد الائتماني للبطاقة شهريًّا إن لم يساعدك وضعك المالي في ذلك الشهر على دفع نسبةٍ أكبر.
تستفيد البنوك من سوق البطاقات الائتمانية بتخصيص أكبر عددٍ ممكنٍ لعملائها منها ويقوم البنك بجني الأرباح بعدها من الرسوم السنوية ومن الفائدة على الدفعات المتأخرة ومن تخصيص بطاقات ائتمان إضافية لأفراد الأسرة أو للقيام بالتسوق عبر الإنترنت. الأسوأ من ذلك كله هو أن الشخص يميل للأنفاق بشكلٍ أكبر حين يستخدم البطاقة للدفع عوضًا عن المال نفسه، وتزيد الأمور تعقيدًا إن كان الشخص أنفق ما لن يجنيه في الشهر القادم ليتمكن من دفع المستحقات وتفادي دفع الفائدة. إن لم يحصل ذلك، ينتهي بك الأمر بدفع الحد الأدنى سامحًا للبنك بأن يفرض عليك فائدة شهرية بنسبة تتراوح بين 3 إلى 5%، وفي حالاتٍ أخرى “مرابحة” وليس فائدة. على سبيل المثال، تقوم بعض البنوك بشراء عقود الألمنيوم وبيعها لك ثم بيعها بالنيابة عنك لتمويل ما يُسمَّى بـ “البطاقات المُغطاة”. في ختام المقال، أود منكم أن تفكروا بما سيحصل إن قام كل فرد باستخاراجه عدة بطاقات ائتمان من عدة بنوك.
أترك الجواب لكم.
نشر المقال أولاً باللغة الإنجليزية في صحيفة “قولف نيوز” و خص الكاتب النسخة العربية لــ (الهتلان بوست)