أيتها الحكومات: ألغوا دعم الأسعار

آراء

إذا كان دعم الأسعار مسموحاً ومحبباً، فمتى يكون من الجيد أن تقوم دولة ما بدعم أسعار بعض السلع؟ وما هي السلع التي على الدولة دعمها؟ وكم يجب أن تكون نسبة الدعم من الناتج المحلي للدولة؟ وهل من المنطق أن يتم تصنيف الدعم كإنفاق حكومي؟ في دول كماليزيا وتايلاند والولايات المتحدة وروسيا ومصر، يأخذ الدعم أنواعاً مختلفة. ففي ماليزيا، يتم دعم أسعار الطاقة، وفي إندونيسيا، يتم دعم أسعار الوقود الذي يكلف الحكومة الأندونيسية 20 مليار دولار أمريكي في السنة. تقوم تايلاند بدعم أسعار الأرز عن طريق شراء ما قيمته 4 مليار دولار من المزارعين بسعر السوق، كما اعتمدت الولايات المتحدة في فترة من الفترات على توزيع قسائم الطعام على المعوزين الذي يعد من أنواع الدعم كذلك. أما بالنسبة لمصر، فهي الدولة الذي ستتم مناقشة نظام الدعم الخاص بها في هذا المقال حيث يشكل إجمالي مبلغ دعم الأسعار ما نسبته 14% من إجمالي ناتجها المحلي المصري الذي يتعدى 250 مليار دولار أمريكي.

عددت دراسة أجراها البنك الدولي في عام 2005 أنواع الدعم الذي تقدمه مصر وهي: الغذاء (61.4%)، العيش البلدي (67%)، عيش ١٠-قرش (47%)، بطائق حصص الغذاء فئة “ب” وتشمل السكر والزيت والشاي والسمن والفاصوليا والعدس والأرز والمعكرونة (37%)، الكهرباء (9.5%) وتختلف النسبة بحسب الاستهلاك، الطاقة (75.7%)، غاز البترول المُسال (88%)، الغازولين (47.6%)، الكيروسين (81%)، والغاز الطبيعي (79.7%). حين قام فريق البنك الدولي بإجراء الدراسة منذ عشرة أعوام، كانت نسبة إجمالي تكلفة دعم الأسعار من الناتج المحلي لا تتجاوز 10.3% ولكنها ارتفعت كما ذُكر آنفاً إلى 14% في 2013، لذا يمكن الجزم بأن نسب الدعم لم تتغير منذ إجراء الدراسة، وإن تغيرت فسيكون التغيير في توزيع تكلفة الدعم. في عام 2004، استنتجت الدراسة بأن 1 من أصل كل 5 مصريين يعيشون في فقر، الذي صنفته الدراسة على أسلس معدل استهلاك 1438 جنيه مصري سنوياً للفرد، وقد ارتفعت هذه النسبة لتكون 1 من أصل كل 4 في عام 2011. تنفق الحكومة المصرية ثلث ميزانيتها على برنامج دعم الأسعار المذكور أعلاه، وارتفعت النسبة المخصصة من الإنفاق الحكومي لدعم أسعار أنواع الوقود من 8.1% في 2004 إلى 20% الآن. وفي 2013، كلف دعم أسعار الأغذية بمختلف أنواعها 4.5 مليار دولار، 2/3 منها لنوعي دعم أسعار العيش المصري – جدير بالذكر أيضاً أن مصر تعد أكبر مستورد للقمح في العالم. ما قد يُثير الجدل هُنا هو إذا ما كان بإمكان الاقتصاد المصري الاستمرار في دفع نفقات برامج دعم الأسعار التي تعد باهظةً جداً بالمقارنة مع غيرها من الدول خاصةً وأن عدد السكان تعدى 86.8 مليون نسمة في 2013 ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بنسبة 1.8%؟ أيضاً، أدركت العديد من الدول عدم فعالية برامج دعم الأسعار في تقليص نسبة الفقر إن كان هذا هو الهدف الرئيسي من برامج دعم الأسعار في مصر. لفهم وضع الاقتصاد المصري بشكل أفضل، لنلقي نظرة على الوضع المالي لمصر.

تنفق مصر أكثر مما تجني، وهي تعتمد على دخل السياحة ودخل قناة السويس في الحصول على العملات الأجنبية المختلفة. قبل عام 2011، شكلت السياحة ما يعادل 27.5 مليار دولار من الاقتصاد المصري، أو 11% منه. وفي عام 2011، وصل دخل قناة السويس إلى 5.2 مليار دولار بحسب ما أفادت وكالة الأنباء رويترز. أما في ما يخص دخل الحكومة المصرية، فقد وصل في 2013 إلى 45.57 مليار دولار أمريكي بحسب ما أفادCIA Fact Book، ويشمل هذا العائد بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً ما يتم تحويله من قبل المصريين العاملين في الخارج، الدعم الممنوح لمصر من قبل الدول والمؤسسات الدولية، ودخل الضرائب. وفي المقابل، بلغت نفقات الحكومة المصرية في ذات العام 80.42 مليار دولار أمريكي، لتكون نسبة العجز المالي إذاً 13.54% من الناتج المحلي بالمقارنة مع 5.7% من الناتج المحلي في 2004. يعتبر الاقتصادي ماينارد كينز العجز المالي جيد للدول حيث تساعد زيادة الإنفاق الحكومي على إخراج الحكومات من فترات الركود الاقتصادي ، إلا أنه لا يمكن قول ذلك عن الاقتصاد المصري بما أنه لا يتبقى من ميزانية الحكومة بعد خصم مبالغ دعم الأسعار سوى الثلثين ليتم إنفاقها على برامج التعليم والرعاية الصحية وغيرها إلى جانب دفع فوائد ديون الحكومة المصرية والتي بلغت نسبتها 92.2% من الناتج المحلي في 2013 بالمقارنة مع 76% في 2004. بسبب الزيادة في نسبة الدين على مدى عشر سنوات؛ يمكننا القول بأن الحكومة المصرية قامت بالاقتراض عاماً بعد عام لسد العجز المالي السنوي في ميزانيتها، وإذا ما نظرنا إلى كل ما ذُكر؛ فهل حقاً يمكن لمصر أن تستمر في دعم أسعارها بذات الوضع الحالي لتنفق أكثر مما تجني وتستمر في تسجيل عجز مالي سنوي؟ وفي حال عدم صلاحية برامج دعم الأسعار، ما هو الحل الأمثل لمعضلة دعم الأسعار في مصر؟

لا يمكن لمصر أن تستمر في دعم الأسعار بالوضع الحالي. حين تواجه دولة ما مشاكل اقتصادية أو مالية، تكون هنالك ضغوطات لخفض قيمة العملة، ويقوم بعدها البنك المركزي باستخدام بعض الوسائل للدفاع عن العملة وبالتالي حماية الاقتصاد من انهيار محتمل. في حالة مصر التي تعتمد بشكلٍ كبير على السياحة لزيادة احتياطها من العملات الأجنبية، فإن عدم كفاية هذا الاحتياط لفترات الأزمة قد يسبب مشاكل للحكومة المصرية. في بداية عام 2011، كان احتياطي مصر من العملات الأجنبية يقف عند 36 مليار دولار أمريكي، وفي غضون عام واحد فقط، انخفض احتياطي البنك المركزي من العملات إلى 14.93 مليار دولار أمريكي بعد أن قام البنك بصرف ما يقارب 20 مليار دولار أمريكي لدعم الجنيه المصري وحمايته من الانهيار التام. ولضمان عدم استمرار نزيف احتياطي العملات، قام البنك المركزي بوضع بعض الضوابط ومنها عدم بيع ما يزيد عن 40 مليون دولار أمريكي ثلاث مرات أسبوعياً للبنوك في مصر، مع عدم السماح لأي شخص بسحب أكثر من 10 آلاف دولار أمريكي يومياً وتحديد سقف بمبلغ 100 ألف دولار أمريكي سنوياً لتحويل الأموال إلى جهات خارج مصر. وبما أن تدهور السياحة في مصر قد تزامن مع ما كان يقوم به البنك المركزي المصري لدعم العملة؛ لم تكن هنالك أي طريقة لإعادة احتياطي العملات إلى مستواه السابق. لذلك، كانت تأمل الحكومة المصرية آنذاك في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار أمريكي الدولي لدعم الجنيه المصري أو خفض قيمة العجز الذي تعد برامج دعم أسعار السلع المختلفة من أهم مسبباته. في كلتا الحالتين، فإن القيام بالأمر الأول أو الآخر سيؤدي إلى النتيجة نفسها، والأمرين بشكلٍ أو بآخر وجهين لعملة واحدة. في عام 2013، ارتفعت قيمة احتياطي العملات في البنك المركزي المصري إلى 17.03 مليار دولار الذي أعطى بدوره بصيصاً من الأمل للاقتصاد المصري وتحسن وضعه مقارنةً بما كان عليه الحال سابقاً بعد الدعم الذي قدمته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، ذلك بالإضافة إلى رفع حظر السفر إلى مصر من قبل بعض الدول. كما رفع صندوق التقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي المصري ارتفعت من 1.8% في 2013 إلى 2.8% لعام 2014.

لا يمكن اعتبار برامج دعم الأسعار حلاً لمشكلة الفقر، وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن 43% من دعم أسعار الوقود يذهب إلى أغنى 20% من سكان الدولة. أيضاً، قدرت وكالة الطاقة الدولية أن تكلفة دعم الوقود الأحفوري في العالم تعادل 2 تريليون دولار سنوياً إذا ما تمت إضافة ما تخسره الدول من عوائد الضرائب. تحاول الدول حالياً التخلص من برامج دعم الأسعار لعدم جدواها في تحقيق الأهداف الأساسية منها، كما أنها تخلق ثقافة من عدم المبالاة الإسراف. قامت أندونيسيا مؤخراً بزيادة أسعار البترول بنسبة 44% للتخلص من الدعم الممنوح لأسعار البترول. كما قامت ماليزيا بالتخلص من دعم أسعار الطاقة لترتفع الأسعار تلقائياً بنسبة 10%. في كلتا الدولتين، أدى إلغاء برامج دعم الأسعار إلى تضخم في أسعار السلع ذاتها الذي أدى بدوره إلى تضخم أكثر شمولاً، وتضخم الأسعار بطبيعته يؤدي إلى خفض قيمة ديون الدولة بإضعاف عملة الدولة وخفض قيمتها. تحاول مصر الآن خفض الدعم الممنوح لأسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 25-30% في فترة تتراوح بين 5-6 أعوام، كما قامت مصر قبل ذلك بالتخلص من دعم سعر الجازولين الذي كان ضمن مُقترحات دراسة البنك الدولي في عام 2005. إذا تم خفض قيمة الدعم بشكلٍ أكبر، قد تتجاوز نسبة تضخم الأسعار نسبة 9% المسجلة في 2013، وبما أن الدين المصري في تزايد مستمر؛ فإن تضخم الأسعار وما يصاحبه من ضعف في قيمة العملة وبالتالي خفض في قيمة الدين يعد خبراً جيداً للاقتصاد المصري، وستكون المشكلة حينها في عدم إضعاف الجنيه المصري إلى مستوىً قد يشكل تهديداً لمن لهم استثمارات في مصر مما قد يضطرهم لسحب استثماراتهم والخروج من مصر بأقل خسائر ممكنة. أشارت دراسة البنك الدولي إلى أن أفضل طريقة بديلة للتخلص من الفقر هي تحويل مبالغ نقدية مباشرةً إلى المستفيدين من برامج الدعم على أن تكون عن طريق بطاقات خاصة يتم توزيعها على العوائل الصرية. لن يحد ذلك من استفادة الأغنياء من برامج دعم الأسعار الحالية وحسب، ولكن سيساعد أيضاً في خفض مبالغ الدعم الذي تحصل عليه مختلف القطاعات الصناعية في مصر، وهو ما تحتاجه مصر لمعالجة مشكلة انقطاع الكهرباء جزئياً، وهو الذي من المتوقع أن يصل إلى ذروته في الصيف بانقطاع الكهرباء لست ساعات متواصلة في آنٍ واحد. ختاماً، لابد من توفير كافة التسهيلات للمستثمرين والراغبين في الاستثمار في السوق المصري عن طريق تنظيم منتديات الأعمال وتشجيع الاستثمار، كالمنتدى الذي أُقيم في القاهرة في ديسمبر 2013، إلى جانب تنظيم ورشات عمل للشباب المصريين الراغبين في بدء مشاريعهم الخاصة للتمكن من خلق وظائف جديدة باستمرار، خاصةً وأن 50% من الشعب المصري دون سن الخامسة والعشرين وأن نسبة البطالة بين الشباب هي 25%. ستعالج هذه السياسات مشكلة الفقر بشكلٍ مباشر وأكثر فاعلية من برامج الدعم عن طريق زيادة الدخل القومي وزيادة دخل واستهلاك الفرد السنوي.

وأخيراً، الفكرة التي أود أن أترككم معها هي: بالتوفيق لأم الدُّنيا.


مترجم من جلف نيوز خاص للهتلان بوست