بيت القصيد كنص وتمثيل وإخراج مسلسل يستحق المشاهدة، لأنه يحمل في ثناياه إسقاطات اجتماعية ترقى إلى ذائقة المشاهد، وتحترم الذوق العام، ومن دون بذاءات وسفاسف تستفز المشاهد.
في هذا المسلسل، يكمن الفن الحقيقي، ويتضمن قصة لها ثيمة، وحبكة، وحوار، وشخوص يؤدون العمل بشكل يجعلك تتابع من دون منغصات ولا تهريج كما نجده في بعض المسلسلات، والتي فيها يقوم الممثل بدور المهرج، والذي تبحث عن الموضوع، فلا تجده إلا في رقصات الممثل، وحركاته العشوائية التي لا تحمل في داخلها أي شيء من أهداف الفن الرفيع.
من خلال بيت القصيد، يتأكد لك بأن في الإمارات كتاب نصوص يمتلكون الوعي بأهمية أن يكون للفن رسالة، يحترمها المشاهد كما يوجد ممثلون يمتلكون ملكات فنية، وفيما لو تم الاهتمام بهم، فسوف يكونون منافسين أشداء في الساحة الفنية.
في هذا المسلسل، تجاوز العاملون من الفنانين حدود الصفقات التجارية، لأنهم عرفوا جيداً أن الفن ليس شركة إعلانات لبضاعة استهلاكية، وإنما دورهم يتحدد في رسم الصورة الزاهية، للإنسان الباحث عن نفسه، في خضم الواقع والمعبر عن طموحات، لا يمكن تجسيدها إلا في نص تمت كتابته بعناية فائقة، وتمثيله على أحسن صورة.
فمن الممكن أن يكون أي إنسان ممثلاً وهذا شيء عادي، ومتاح، ولكن أن تفرز فناناً فهو الأمر الصعب، لأن في الفن إبداع، وفي الفن عمل خلاق، يحرض الذائقة لدى المشاهد، ويجعله شريكاً في العمل، من خلال المتابعة، والتحليل، وتخيل الصورة الجلية لواقع إنساني كم هو بحاجة إلى مبدعين، يتناولون بشكل جاد، وباحترافية متناهية المهارة، والبراعة في التجسيد، وفي صناعة الكلمة لتكون على الشاشة، مثل الغيمة التي تنث ماءها، بهدف إرواء عطش العشب.
حقيقة في بيت القصيد تجلت حكمة الفن الدرامي وكأنها البارق الذي يدق نوافذ العقل، ليقول له لا تيأس، فهناك من يعملون بجد، وهناك من يقدسون الفن، وهناك من يحترمون ذائقة المشاهد، وعليك أن تختار السيئ، والجيد.
نعم الحياة هي هكذا، فيها من المتناقضات، وعلى المهتم بالفن أن يضع إصبعه على الجيد ويدع الرديء لأصحابه.
الحياة لوحة فنية، والتمثيل جزء من هذه اللوحة، والريشة هو النص، والألوان هم الممثلون الذين يحولون الريشة، إلى لون براق، يحول صمت المشاهد، إلى فرح وكم هو الإنسان بحاجة إلى فن يسعده، لا إلى أعمال تنسب إلى الفن، وهي أبعد ما تكون ذات صلة بالفن.
المصدر: الاتحاد