كاتبة إماراتية
إحدى أكثر الفوائد التي قدمها عالم التواصل الاجتماعي لعالم الأدب، تلك القدرة غير المحدودة في اطلاعنا على رؤى الآخرين المختلفة والصادقة جداً حول ذات الإبداع. ويعد «جود ريدز» الشبكة الاجتماعية الأشهر عالمياً في عرض الكتب ومراجعاتها، من أهم المواقع التي توضح مدى الاختلافات الكبيرة في إدراكنا واستيعابنا لأي عمل إبداعي؛ عبر عرضه لآراء القراء المتباينة والتي مع تعددها تكمل حضور العمل وتتوجه. بل إن بعض ما نجده في هذا الموقع من مراجعات قابلة لأن تكون عملاً إبداعياً جديداً منفصلاً عن العمل الأصلي.
ولأن أي عملية إبداع لا تكتمل بدون متلقٍّ متفاعل، تبدو القراءة بالذات أكثر صنوف الإبداع المرتبطة بهذه المتلازمة؛ فالقراءة معادل الكتابة، وتلقيها الأعمق لا يكون بأشكال قراءة مختلفة فقط، وإنما بقراءة منتجة أيضاً، إذ إنها كثيراً ما تتحول إلى عملية فاعلة وحية بشكل قد يتجاوز إبداع النص المقروء. يحدث ذلك عندما تتوالى الأزمنة وتتراكم الثقافات على قارئ النص، فيأتي متلقٍ في زمن آخر ليفك النص بقراءة جديدة تتجاوز ما جاد به النص في زمن كتابته. يحدث ذلك وأكثر لأن النص المقروء لا يمكن أن يكون منفصلاً عن مشاعر وتطلعات ومخزون القارئ الفكري، إضافةً لظروفه الزمانية والمكانية، وهي عناصر تختلف بالتأكيد من شخص لآخر، وبالتالي فإن تفسير النص أو تأويلاته بناء على ذلك لا يمكن أن تتطابق!
وقد يحدث أن يفاجأ كاتب النص بتأويلات لم تكن في حساباته وقت الكتابة، وقد تفصح أو تفضح عن أكثر مما أراد الكاتب التعبير عنه. وفي أحيان -وقد حدث- أن تقدم بعض القراءات إضافة نوعية جديدة تماماً على النص المقروء، يحدث هذا أمام عين الكُتاب، فيفرح بها بعضهم لأن ذلك وحسب رأيه استمرار لحياة ما أنتجه، فنصه لم يمت ولم تتوقف حيويته. فيما يرفض ذلك بعضهم الآخر معتبرين ذلك تدخلاً في حريتهم وانتهاكاً لاستقلالية ما أنتجوه. وفي كل الأحوال ومع تزايد وسائط النقل تصبح عملية التحكم في تأويلات النص في الوقت الحالي في غير يد منتج النص الأصلي. وهذا في رأيي أفضل بكثير، فهو أمر صحي لأنه يقدم عملياً انقطاع العلاقة بين الكاتب والنص.
المصدر: الاتحاد