رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
من مبادئ وأساسيات الإدارة، تفويض الصلاحيات، وإعطاء استقلالية شبه تامة للوحدات الإدارية في المؤسسة، خصوصاً إن كانت تلك المؤسسة ضخمة، وتضم وحدات إدارية كبيرة، كل منها يقارن بدائرة منفصلة من حيث عدد الموظفين، والمستفيدين من الخدمات، وحجم العمل الذي تقوم به هذه الوحدات.
لكن مع الأسف.. هذا المبدأ الإداري البسيط يجهله بعض الإداريين الجدد في تولي المسؤولية، فيعتقدون ــ وهم مخطئون ــ أن نزع الصلاحيات وتكديسها في أيديهم، هما نوع من السيطرة والتحكم، وضرورة من ضرورات المنصب، تعطي صاحبه فخامة ووضعاً مميزاً، في حين أنها آفة إدارية كبيرة تسمى في علم الإدارة «مركزية»، وهي بداية النهاية للمسؤول الذي يعشق تطبيقها!
المركزية هي خط أحمر في إمارة دبي، ووجودها لن يستمر في جميع دوائر دبي، لأنها من المحرمات التي تؤثر في تقديم خدمات مميزة للمراجعين، وتالياً تؤثر في سمعة المدينة وتنافسيتها، قد تطل بين فترة وأخرى بسبب كوادر إدارية غير مدربة بشكل جيد، أو مسؤولين جدد في عالم المسؤولية، يحاولون إعطاء أنفسهم أكبر من حجمها، إلا أن المركزية لا تستمر طويلاً في دبي، ونهايتها غالباً ما تكون مع نهاية مطبقيها، هكذا علمتنا التجارب، وهكذا هو تاريخ الإدارة في دبي، لا يقبل هذا السلوك الفردي أبداً!
المركزية لا يمكن إخفاؤها، فهي غالباً ما تولّد بيئة سلبية، وهذه البيئة السلبية تولّد التذمر ورفع الصوت بالشكوى، والشكاوى غالباً ما تصل بشكلها الحقيقي الواقعي إلى المسؤولين عن الإمارة بوسائل عدة، وكثرة شكوى الموظفين تنعكس سلباً على نتيجة الدائرة في مستوى الرضا الوظيفي، الذي يعدّ أحد أهم مكونات جائزة دبي للأداء الحكومي المتميز، ومن الطبيعي جداً أن تصيب هذه النتيجة، إن كانت متدنية، أي مدير عام بالإحراج أمام مئات الموظفين والمسؤولين في حكومة دبي، في الحفل السنوي الضخم للجائزة!
ومع ذلك، غريب جداً إصرار البعض على تجريب المجرّب، وتوقع النجاح من تطبيق تلك التجارب، التي لم تسجل نجاحاً سابقاً يذكر، فجميع النظريات والدراسات الإدارية، وجميع التجارب العملية أثبتت سقوط وفشل المركزية بشكل كامل، ومع ذلك هناك من بدأ يطبقها اليوم، في هذا الزمن المتطور، وهذا المكان الأكثر تطوراً في العالم العربي، إدارياً وتقنياً، فهل يتوقعون، وتتوقعون، أن ينجحوا في ذلك؟!
شخصياً.. أكدت لكل من اشتكى أن هذا الوضع لن يستمر، فالهيئة المعنية ضخمة بشكل يصعب على ثلاثة أو أربعة أشخاص إدارتها بالكفاءة المطلوبة، ثم إن تكديس الصلاحيات وضم مئات الموظفين تحت إدارة شخص واحد (ذكراً كان أو أنثى)، سيتسبب من دون شك في تعطيل العمل بصورة كبيرة، لن تحتملها هذه الهيئة، والمسؤول، أو «المسؤولة»، الذي يصر، أو تصر، على توقيع كل ورقة، بما فيها الإجازة والعودة من الإجازة، لـ 275موظفاً، لاشك أنها تعاني خللاً نفسياً، فهذا الفعل هو أبشع صورة من صور المركزية، مثل هؤلاء لن يعمروا طويلاً، ولابد أن ينقرضوا، لأن المركزية على وشك الانقراض في حكومة دبي.. لاشك لديّ في ذلك!
المصدر: الإمارات اليوم