سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

تجريب‭ ‬المجرّب‭.. ‬بداية‭ ‬الفشل‭!‬

آراء

من‭ ‬مبادئ‭ ‬وأساسيات‭ ‬الإدارة،‭ ‬تفويض‭ ‬الصلاحيات،‭ ‬وإعطاء‭ ‬استقلالية‭ ‬شبه‭ ‬تامة‭ ‬للوحدات‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬المؤسسة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسة‭ ‬ضخمة،‭ ‬وتضم‭ ‬وحدات‭ ‬إدارية‭ ‬كبيرة،‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬يقارن‭ ‬بدائرة‭ ‬منفصلة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الموظفين،‭ ‬والمستفيدين‭ ‬من‭ ‬الخدمات،‭ ‬وحجم‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الوحدات‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭.. ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الإداري‭ ‬البسيط‭ ‬يجهله‭ ‬بعض‭ ‬الإداريين‭ ‬الجدد‭ ‬في‭ ‬تولي‭ ‬المسؤولية،‭ ‬فيعتقدون‭ ‬ــ‭ ‬وهم‭ ‬مخطئون‭ ‬ــ‭ ‬أن‭ ‬نزع‭ ‬الصلاحيات‭ ‬وتكديسها‭ ‬في‭ ‬أيديهم،‭ ‬هما‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬والتحكم،‭ ‬وضرورة‭ ‬من‭ ‬ضرورات‭ ‬المنصب،‭ ‬تعطي‭ ‬صاحبه‭ ‬فخامة‭ ‬ووضعاً‭ ‬مميزاً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنها‭ ‬آفة‭ ‬إدارية‭ ‬كبيرة‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإدارة‭ ‬‮«‬مركزية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬للمسؤول‭ ‬الذي‭ ‬يعشق‭ ‬تطبيقها‭!‬

المركزية‭ ‬هي‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬دبي،‭ ‬ووجودها‭ ‬لن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬دوائر‭ ‬دبي،‭ ‬لأنها‭ ‬من‭ ‬المحرمات‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬مميزة‭ ‬للمراجعين،‭ ‬وتالياً‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬سمعة‭ ‬المدينة‭ ‬وتنافسيتها،‭ ‬قد‭ ‬تطل‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬بسبب‭ ‬كوادر‭ ‬إدارية‭ ‬غير‭ ‬مدربة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬أو‭ ‬مسؤولين‭ ‬جدد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المسؤولية،‭ ‬يحاولون‭ ‬إعطاء‭ ‬أنفسهم‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المركزية‭ ‬لا‭ ‬تستمر‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬ونهايتها‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬مطبقيها،‭ ‬هكذا‭ ‬علمتنا‭ ‬التجارب،‭ ‬وهكذا‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الفردي‭ ‬أبداً‭!‬

المركزية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إخفاؤها،‭ ‬فهي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تولّد‭ ‬بيئة‭ ‬سلبية،‭ ‬وهذه‭ ‬البيئة‭ ‬السلبية‭ ‬تولّد‭ ‬التذمر‭ ‬ورفع‭ ‬الصوت‭ ‬بالشكوى،‭ ‬والشكاوى‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تصل‭ ‬بشكلها‭ ‬الحقيقي‭ ‬الواقعي‭ ‬إلى‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الإمارة‭ ‬بوسائل‭ ‬عدة،‭ ‬وكثرة‭ ‬شكوى‭ ‬الموظفين‭ ‬تنعكس‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الرضا‭ ‬الوظيفي،‭ ‬الذي‭ ‬يعدّ‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مكونات‭ ‬جائزة‭ ‬دبي‭ ‬للأداء‭ ‬الحكومي‭ ‬المتميز،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬تصيب‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة،‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬متدنية،‭ ‬أي‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬بالإحراج‭ ‬أمام‭ ‬مئات‭ ‬الموظفين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬دبي،‭ ‬في‭ ‬الحفل‭ ‬السنوي‭ ‬الضخم‭ ‬للجائزة‭!‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬غريب‭ ‬جداً‭ ‬إصرار‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬تجريب‭ ‬المجرّب،‭ ‬وتوقع‭ ‬النجاح‭ ‬من‭ ‬تطبيق‭ ‬تلك‭ ‬التجارب،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تسجل‭ ‬نجاحاً‭ ‬سابقاً‭ ‬يذكر،‭ ‬فجميع‭ ‬النظريات‭ ‬والدراسات‭ ‬الإدارية،‭ ‬وجميع‭ ‬التجارب‭ ‬العملية‭ ‬أثبتت‭ ‬سقوط‭ ‬وفشل‭ ‬المركزية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬بدأ‭ ‬يطبقها‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬المتطور،‭ ‬وهذا‭ ‬المكان‭ ‬الأكثر‭ ‬تطوراً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬إدارياً‭ ‬وتقنياً،‭ ‬فهل‭ ‬يتوقعون،‭ ‬وتتوقعون،‭ ‬أن‭ ‬ينجحوا‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭!‬

شخصياً‭.. ‬أكدت‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬اشتكى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لن‭ ‬يستمر،‭ ‬فالهيئة‭ ‬المعنية‭ ‬ضخمة‭ ‬بشكل‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أو‭ ‬أربعة‭ ‬أشخاص‭ ‬إدارتها‭ ‬بالكفاءة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬تكديس‭ ‬الصلاحيات‭ ‬وضم‭ ‬مئات‭ ‬الموظفين‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ (‬ذكراً‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬أنثى‭)‬،‭ ‬سيتسبب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬العمل‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لن‭ ‬تحتملها‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة،‭ ‬والمسؤول،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المسؤولة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يصر،‭ ‬أو‭ ‬تصر،‭ ‬على‭ ‬توقيع‭ ‬كل‭ ‬ورقة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الإجازة‭ ‬والعودة‭ ‬من‭ ‬الإجازة،‭ ‬لـ‮‬‭ 275‬موظفاً،‭ ‬لاشك‭ ‬أنها‭ ‬تعاني‭ ‬خللاً‭ ‬نفسياً،‭ ‬فهذا‭ ‬الفعل‭ ‬هو‭ ‬أبشع‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬المركزية،‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬لن‭ ‬يعمروا‭ ‬طويلاً،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬ينقرضوا،‭ ‬لأن‭ ‬المركزية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانقراض‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬دبي‭.. ‬لاشك‭ ‬لديّ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭!‬

المصدر: الإمارات اليوم