رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لا تنفصل سياسات الدول عادة عن ثقافة أهلها، بل في الغالب فإن ثقافة ومكونات شخصيات القادة، وأحياناً هواياتهم، لها تأثير مباشر في سياسات دولهم ومواقفهم الخارجية، وطريقة تعاملهم مع الدول الأخرى.
الخبراء المشاركون في المنتدى الاستراتيجي العربي 2019، يؤكدون ذلك، على سبيل المثال فإن حب الرئيس الروسي، بوتين، لرياضة الجودو وممارسته لها، دفعاه إلى ممارسة السياسة في كثير من الأحيان وفقاً لقوانين هذه اللعبة، فالمواقف الروسية تتسم بروح التحدي، ومحاولة طرح الخصم أرضاً كلما سنحت الفرصة، والأمر ذاته ينطبق على الرئيس الأميركي، ترامب، المُعجب بالمصارعة، ولذلك فهو يريد التغلب على الخصوم، ويسعى لاستسلامهم أو إيذائهم، وهناك أيضاً الصين وجيرانها الذين يعشقون مصارعة السومو، ولذلك فهم يعشقون السيطرة على المناطق من خلال دفع الآخرين خارج تلك المناطق باستخدام الوزن، ومن دون عنف!
استنتاج صحيح، ويتضح ذلك أكثر في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فعشقه للفروسية والخيل، جعله فارساً نبيلاً بتعاملاته وأخلاقه، كما جعله عاشقاً للمنافسة الشريفة، ومتطلعاً دائماً إلى المركز الأول، لذلك فهو في سباق دائم مع المستقبل، وهو لا يرى نهاية لسباق التميز، ولا توقف طموحاته كلمة «مستحيل».
ورغم اختلاف الثقافات والسياسات الخارجية للدول، فإن الخبراء المشاركين في المنتدى الاستراتيجي يرون أن الحقبة المقبلة لن تشهد ألعاب عنف وتشابك، بل سيشهد العالم رجوع واحدة من أقدم الألعاب الجماعية في التاريخ، لتتصدر مشهد العلاقات الدولية، هذه اللعبة هي «شد الحبل»، حيث يجتمع كل فريق ليسحب باتجاهه حبل المصالح ويجرها عن الفريق التالي، وحبل المصالح هذا عبارة عن مشروعات، وتبادل اقتصادي، وشبكة معلومات وبنى تحتية، ومصالح تجارية واتفاقات استثمارية، وهكذا فاللعبة تحتاج إلى فريق، ولن يكون هناك لاعب متفرد يستطيع جر غيره دون مساعدة!
المشاركون اختلفوا حول مستقبل الوطن العربي، البعض كان متشائماً، والبعض الآخر متفائل، شريطة أن تجيد الدول العربية لعبة شد الحبل، فهي تملك إمكانات هائلة، تُمكنها من تكوين فريق قوي، لكن ينقصها الإدارة والاتفاق حول شروط اللعبة.
الأرجح أن الوطن العربي لن يشهد تطورات لافتة في عام 2019، فهو في أسوأ حالات ضعفه، وهذا الضعف جعله رهين التدخلات الإقليمية، ويكفي أن معظم القرارات الدولية التي اتخذت في العامين الماضي والجاري، تحكمت فيها أربع دول إقليمية ليست من بينها دولة عربية واحدة، والخلافات العربية – العربية مستمرة، وما يفرق العرب حالياً أكثر بكثير مما يجمعهم، لذلك ليس من المتوقع على المدى القريب أن نرى في المشهد السياسي العربي فريقاً قوياً يجيد لعبة شد الحبل مع بقية الفرق الدولية!
عموماً المنتدى الاستراتيجي العربي، الذي تنظمه دبي بشكل سنوي، أصبح علامة فارقة في استشراف المستقبل، ورأينا خلال الأعوام السابقة الكثير من التحليلات السياسية والجيوسياسية وقد تحولت إلى واقع، وبعض التحذيرات تحققت كما هي في مناطق مختلفة من الوطن العربي الكبير، ليس ذلك تنجيماً أو تكهناً، لكنه تحاليل سياسية معمقة من خبراء متمرسين يجيدون قراءة الواقع، ويجيدون استشراف المستقبل استناداً لمعطيات الحاضر، وهذا ما يميز هذا المنتدى عن غيره، ويجعله متفرداً وذا أهمية مضاعفة، خصوصاً ونحن نعيش في منطقة مضطربة متقلبة.
المصدر: الإمارات اليوم