وزير الدولة لشئون الاثار المصرية السابق
قامت البعثة السعودية الفرنسية المشتركة بتسجيل النقوش الأثرية بمنطقة نجران خلال ثمانية مواسم من العمل الأثري. وقد أكدت البعثة أن النقوش الناتجة تشير إلى مدى أهمية هذا الموقع وتدل على أن هذا المكان كانت تمارس فيه طقوس وشعائر دينية، وذلك عن طريق أصحاب القوافل الذين كانوا يتخذون من آبار حمى محطة للتوقف والتزود بالماء، ثم تواصل سيرها مروراً بـ«عان جمل»، التي ذكر في بعض نقوشها على اسم المعبود القديم «ذي سماوي» والخاص بواحة نجران.
وفي الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أن الحميريين قد تركوا لنا في آبار حمى وفي الكوكب نقوشاً تاريخية مهمة تعود إلى القرن السادس الميلادي. كما لدينا من موقع عان جمل نقشان تركهما أحد قادة ملوك حمير من القرن الثالث الميلادي. وقد أثبت ذلك تسجيل 41 مخربشة في منطقة بئر حمى، بالإضافة إلى رسومات صخرية متنوعة موزعة على صخور مبعثرة وكتابات عربية، وكذلك العديد من القبور التي تعود إلى العصر البرونزي.
وفي موقع كان حلطان (جبل كوكب) تم تسجيل آلاف النقوش العربية القديمة والنقوش الثمودية التي تتناول أحداثاً مهمة لسكان نجران، ومنها أن هناك أدلة لمحاولات تمت لإخضاعهم للدخول في الديانة اليهودية. وهناك بعض النقوش التي تتحدث عن هؤلاء الذين قتلوا في المعارك، وحرق بيعة نجران وظفار والمخا وكذلك أصحاب النقوش من اليزنيين الذين رفضوا الخضوع للأحباش المناصرين لبيزنطة. وتتضمن الواجهات الصخرية أيضاً مجموعة رسومات متنوعة تتكون أغلبها من رسوم لحيوانات وطيور أهمها الجمال إلى جانب البقر والنعام والوعول والخيول والظباء.
وتم العثور على رسوم صخرية لحيوان الفيل الذي ربما كان يُجلب من الحبشة. ويوجد أيضاً مشاهد آدمية تمثل نساء في حالة رقص تظهر بشكل واضح رمز الخصوبة لديهن ورجال فرسان ومحاربين، وكذلك تم العثور على رسوم صخرية للآلات الموسيقية المصاحبة لبعض الرسوم الآدمية، وهذا يدل على التطور التي شهدته المنطقة في تلك الفترة. ويرافق أحد الرسوم الآدمية اسم الشخص الذي تم تصويره وهي امرأة تدعى «عم كهل».
وتم الكشف عن نقوش لخط المسند وهو الخط الذي اشتهر في جنوب الجزيرة العربية، وكذلك الكشف عن عدد من النقوش الثمودية في موقع وادي شمسة ونقوش كوفية تؤرخ للقرنين الأول والثاني الهجريين، أما تاريخ النقوش الأخرى فقد استطاعت البعثة أن تعطي تاريخاً تقريبياً وذلك ما بين النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي، بالإضافة إلى عدد من النقوش العربية والإسلامية المبكرة. ومن المهم جداً تسجيل هذه النقوش والمحافظة عليها لأنها تمثل جزءاً مهماً من تاريخ الجزيرة العربية وطرق تجارتها وحفظ الناتج الثقافي للمجتمعات التي عاشت في تلك الفترة، لأننا لو فقدناها سوف نفقد تاريخ هذه المنطقة المهمة من الجزيرة العربية.
المصدر: الشرق الأوسط