عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
كشف التفجيرات التي تعرض لها جامع الإمام الصادق في منطقة الصوابر في الكويت مؤخراً ومن قبله جامع العنود في الدمام بالسعودية وجامع بلدة «القديح» في مايو المنصرم وحسينية قرية «الدالوة» العام الماضي، أن التخطيط لإشعال الإحتراب الاهلي في دول الخليج قد قطع شوطاً بعيداً.
كما ان ردود الفعل التي تلت هذه الاعمال الارهابية ماتزال في غالبها (عدا القليل منها) تراوح في نفس منطق ومرجعيات هذا الإحتراب الذي مازال يسمم الحياة اليومية بشكل مستتر وموارب لكنه ثقيل الوطأة وأخطر ما فيه انه يمكن ان ينفجر بشكل غير متوقع مع تكرار اعمال إجرامية من هذا النوع وتوالي سقوط الضحايا الأبرياء ونفاد الصبر. ابرز ما كشفت عنه هذه التفجيرات هو الحاجة لمراجعة عميقة وأمينة لجملة من المفاهيم الرائجة التي تعيد في مجملها إنتاج خطاب الاحتراب الطائفي نفسه:
«هم ونحن».. ضياع قيم «المواطنة»: رغم ردة الفعل الايجابية بعد تفجير مسجد العنود في الدمام اوائل يونيو وجامع الصادق في 26 منه المتمثلة في الصلوات المشتركة بين السنة والشيعة في المساجد الشيعية كبادرة تضامن بين مواطني بلد واحد، فان هذه المبادرات التي جاءت بدوافع حس إنساني بالدرجة الاولى، يتعين تطويرها لا لمزيد من الصلوات فحسب ونبذ منطق التكفير من الجميع، بل بتطوير مفهوم «المواطنة» الجامع بالدرجة الاولى.
إعادة الاعتبار لقيم المواطنة هي عملية إعادة بناء بالأحرى وهي نقيض منطق الاحتراب المذهبي المهيمن منذ اكثر من ثلاثة عقود على الاجواء العامة في بلدان الخليج بأسرها. هذه المهمة بقدر ما هي منوطة وفي الجزء الاكبر منها بالحكومات، فإنها منوطة ايضا بالمواطنين انفسهم. أي بعبارة أخرى، التوقف عن تقديم أنفسنا باعتبارنا شيعة أو سنة أو مسلمين وغير مسلمين. قد يقوم البعض بمبادرات ومهرجانات خطابية وغير ذلك لكن هذا لا يكفي، فإعادة بناء قيم المواطنة تقتضي إعادة النظر في قناعات رائجة وممارسات أصبحت مثل التقاليد وخطاب ديني وسياسي قائم على التشظي المذهبي بالدرجة الاولى.
التفجيرات من صنع أعداء الأمة: ولماذا يتمكن أعداء الامة من اقناع شخص «منا وفينا» بالقيام بعمل لا ينتمي للسوية البشرية؟ إن إلقاء اللوم على عدو شيطاني سلوك ملازم لنا ومن صميم ثقافتنا المتوارثة وهو لا يعني سوى انكار اي نوع من المسؤولية الذاتية.
الخلل موجود لدينا وليس له أصل واحد بل اكثر من ذلك. ورغم الاتفاق على ان التحريض والخطاب التكفيري هو ما قادنا إلى هذا التفكير العدمي، فان التحريض ليس مقتصراً على طرف دون الآخر، لأن منطق الهويات المذهبية سائد لدى الجميع ويتعين علينا تقبل هذه الحقيقة بحكمة وبصيرة وبعد نظر رغم الألم الذي يعتصرنا جميعاً لسقوط الضحايا الأبرياء. ما نراه اليوم هو ثمرة انحراف بدأ مبكراً منذ نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، عندما تم استبدال منطق «المواطنة» بمنطق الطوائف، وبات الفرد والجموع تقدم نفسها باعتبارها من هذه الطائفة أو تلك. إن إعلاء قيم المواطنة لا تستدعي سوى التخلي النهائي عن منطق الطائفة بأي شكل من الاشكال.
هنا، فان لدى الحكومات مهمات كبرى في هذا الصدد عبر إزالة كل أسباب الاحتقان وترسيخ قيم «المواطنة» وعلى رأسها المساواة، لكن هذه المهمة ليست مهمة الحكومة فحسب على طريقة «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ» بل مهمة ومسؤولية كل فرد وعلى رأسهم رجال الدين السنة والشيعة على حد سواء، فهؤلاء هم اكثر المطالبين بالمراجعة وممارسة النقد الذاتي (ولربما بشيء من الشدة مع النفس) وتحديدا ما يتعلق بدخولهم غمار السياسة بل وفهمهم للتعاليم نفسها.
المظلومية المتبادلة: من بين ردود الفعل التي صارت معتادة بعد كل هذه التفجيرات، هي ابداء شيء من التضامن ولوم المؤامرات الشيطانية، لكن ايضا التذكير بمظالم وأحداث أخرى تعرض لها مواطنون «سنة» في اماكن اخرى ولم يتكلم احد عنها. هذا هو نفس منطق الاحتراب وهو منطق لا يدرك من لايزال يتمسك به ان الخطر بلغ الآن مرحلة متقدمة وان مثل هذا التذكير هو جواب وليس سؤالا. انه جواب على ان المنطق المذهبي في النظر للبشر والاحداث والعالم بأسره منطق خاطئ كلياً وأكبر دليل على خطئه هو ما نراه اليوم. وهو دليل على الغرق في حالة من الانفصام بين ان نعيش في القرن الحادي والعشرين ضمن دول وطنية لكن التاريخ (ونسخة المعاصرة) يستحوذ علينا بشكل مرضي لا فكاك منه.
والنتيجة هنا ان منطق الطوائف هذا أكانت تقف خلفه دول او منظمات او اشخاص او اجتهادات قاصرة، أفضى الى ضياع الحدود وتلاشيها تماماً بين الدين والانتماء الوطني لبلد ما وما يفرضه هذا الانتماء حتى في الحدود الدنيا. فالخلافة والدولة الفاضلة والمثال الايديولوجي باتت كلها صيغ تهدد الوحدة الجغرافية وسيادة الدول ويجعلها برسم التقسيم. نشاهد هذا في سوريا والعراق وليبيا وأكثر من بلد بأكثر من صيغة وشكل لتنتهي أحلام الايديولوجيا في النهاية إلى كانتونات مذهبية وعرقية تقام بحكم الأمر الواقع.
لا نعي ونتحرك إلا بكوارث: تثبت كل ردود الافعال من جديد اننا لا نبدأ التفكير إلا تحت وطأة الكوارث وان بناء السياسات لدينا يفتقد للتخطيط المسبق والتنبؤ القائم على دراسات علمية واستشراف مستقبلي، وهذه هي مسؤولية الحكومات بالدرجة الأولى.
المصدر: البيان