إعلامي ورجل أعمال مصري
هل يصبح جيش لبنان هو الدواء المؤقت لسرطان الدولة الفاشلة؟
توقع الزميل «موفق حرب» فى تحليل سياسى بديع وعميق أن يؤدى انهيار الدولة فى لبنان إلى تسلم مؤسسة الجيش الأمور.
لبنان هو مجتمع متعدد الطوائف، مناطقى، توافقى، عربى، فرانكفونى، هكذا قام عقب 1943 وهكذا سعت فرنسا – الأم الرؤوم للبنان – أن يكون.
لم يعد متعدد الطوائف ولكن أصبح طائفياً!
ولم يعد مناطقياً ولكن أصبح مهدداً بالانقسام!
ولم يعد عروبياً بل أصبح أقرب لوصاية إيرانية تدير أموره من طهران.
ولم يعد فرانكوفونياً، بعدما يئست فرنسا من اتجاهه مؤخراً فى مسار مضاد لها.
ولم يكن الانفجار المادى فى مرفأ لبنان هو الكارثة الأكبر للبنان، ولكن الانفجار فجّر داخل نفوس غالبية اللبنانيين سؤالاً عظيماً وخطيراً: لمصلحة من ندفع تلك الفاتورة اللانهائية المؤلمة التى تدفعنا للجوع والتسول والعوز والعيش فى ذل ومهانة ونقص فى المواد التموينية والمحروقات والكهرباء ثم أخيراً تدفعنا للحياة مع الموت!
السؤال الكبير: هل يجب أن تخلو محطات البنزين من الطاقة، ويرتفع سعر الدولار فى بيروت حتى تمتلئ محطات البنزين، ويتوفر الدولار فى دمشق؟
السؤال الكبير: هل يجب أن تدفع بيروت فاتورة قانون قيصر المفروض على دمشق؟
والسؤال الأكبر: هل يجب أن يموت كل رجل وامرأة، وطفل وطفلة فى لبنان حتى يعيش النظام فى طهران؟
عقوبة لا يستحقها لبنان، وفاتورة تاريخية لا يقدر عليها وطن فى عالم اليوم. ومع ذلك ما زال السيف على الرقبة، وما زال لبنان بمساحته البالغة 10450 كم مربعاً يرتدى حزاماً ناسفاً يحيطه من البحر إلى البر ويهدد بالقضاء على الأخضر واليابس.
زر الضغط على هذا الحزام الناسف ليس فى يد جهة لبنانية!
أزمة النخبة السياسية فى لبنان أنها خلقت من المال السياسى مهنة، ومن الاستقواء بالخارج أسلوب حكم، ومن التجارة بالأزمات «بيزنس» مشروعاً يتم الارتزاق منه والاعتماد الأساسى عليه.
وحينما جفت أموال الخليج من ناحية أولى، وتأثرت أموال إيران جراء العقوبات من جهة ثانية، وتوقفت الدول الكبرى المانحة عن تقديم المساعدات، انفجر الوضع داخل نخبة «البيزنس السياسى» الحاكمة فى لبنان التى تتقاسم السلطة والمعارضة منذ أكثر من 68 عاماً.
انكشف الغطاء عن النخبة الحاكمة وظهر أن كل أطراف اللعبة – مَن فى الحكم ومن فى خارجه، ومَن فى المؤسسات أو من كان فيها، ومَن هو حزبى أو من هو مستقل، أو مَن هو فى بيروت أو فى الشمال أو الجنوب اللبنانى – جميعهم، كلهم، متورطون فى جريمة قتل وطن يحتفل بمئوية لبنان الكبير، وشعب عرف الحضارة 3 آلاف عام قبل الميلاد منذ عصور الإنسان الأول.
المشكلة الآن، الحالية، الآنية، التى تفرض نفسها وتسبب حرجاً وضغطاً عظيماً على العهد والحكم والحكومة والتركيبة السياسية، هى «كيف يفسرون عملية تفجير الميناء؟».
أيهما أفضل تسويقه أو بيعه للرأى العام اللبنانى الذى فقد قرابة الخمسة آلاف إنسان، بين شهيد ومصاب ومفقود، والذى أدى الانفجار إلى تشريد ما لا يقل عن 250 ألف مواطن ومواطنة فى بيروت؟ أن نقول له إن التفجير عمل مدبر أو كارثة إهمال؟
تم هذا التفجير فى وقت تعانى فيه كل من إسرائيل وحزب الله من أزمات داخلية، فنتنياهو تواجهه مظاهرات طلب الاستقالة بسبب الفساد، وحسن نصر الله يعانى حزبه من نقص الموارد وضربات إسرائيل فى سوريا.
ولو خرج التقرير أو التفسير الرسمى أنه عمل مدبر فهناك أسئلة لا بد من الإجابة عنها:
1 – من فعلها؟
2 – كيف؟
3 – عملية زرع متفجرات أم صاروخ أم طائرة؟
4 – أين كانت أجهزة الأمن وأين كان الرادار الذى يجب أن يكون نشطاً على حافة شاطئ بيروت وفوق أكثر نقطة استراتيجية، وهى الميناء الأول فى البلاد؟
هنا، وفى هذه الحالة، لا بد من الإجابة عن: هل قامت إسرائيل – إذا فعلت ذلك – بالتفجير من أجل منع حزب الله من استخدام هذه المواد، خاصة أن جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية يتحدث مراراً وتكراراً عن مشروع إيرانى – سورى مع حزب الله لتطوير صواريخ ذكية شديدة الدقة يمكن أن تصل فى المدى وقدرة التفجير إلى كل إسرائيل.
هنا أيضاً إذا لم نتبنَّ نظرية: «أنها إسرائيل»، فهنا يصبح السؤال سؤالين:
1 – لماذا يدفع اللبنانى ثمن صراع حزب الله مع إسرائيل؟
2 – فى هذه الحالة يصبح الرد أو الثأر واجباً على حزب الله وهو أمر مكلف للغاية فى هذا الظرف الصعب.
الأمر المؤكد أن مركز أبحاث رصد الزلازل فى العاصمة الأردنية سجل آثار هذا الانفجار الهائل بدرجة 4.3 ريختر!
هنا نأتى للتفسير الثانى الذى يمكن أن تتبناه الحكومة اللبنانية فى تقريرها المنتظر، وهو أنه «خطأ بشرى وليس نتيجة عمل أمنى أو جنائى مدبر».
هذا الاحتمال يفتح أبواب جهنم على الحكومة الحالية وعلى كل المسئولين منذ أن تم تخزين هذه المواد فى المخزن رقم 12 عام 2014.
سوف تتوالد مئات الأسئلة بدءاً من: كيف جاءت هذه الكمية؟ ولماذا تم تخزينها فى مرفأ بيروت؟ ولمن كانت هذه الشحنة؟ ولماذا تم تخزينها بالمخالفة لقواعد تخزين المواد شديدة الخطورة خاصة أن تكوينها التفجيرى خمسة أضعاف المعتاد فى مثل تركيبة ذات المادة التى تستخدم سلمياً فى السماد؟
ولماذا بقيت هذه الكمية الأسطورية كما هى منذ عام 2014؟ ولماذا لم يتم تصديرها والتخلص منها خارج البلاد، خاصة أن هناك عدة مذكرات قضائية طالبت بذلك؛ آخرها مذكرتان فى 2018 و2020؟
وحتى تعرف حجم وهول وعظم ما نتحدث عنه فى هذا الملف؟ فإن الأرقام العلمية تقول الآتى: إن انفجار نترات الأمونيوم الأخير فى لبنان يساوى عشرة أضعاف القنابل العملاقة التى تسمى «أم القنابل»، أى ما يوازى 240 طناً من مادة «تى. إن. تى» شديدة الاشتعال.
فى الوقت نفسه، فإن قدرة التدمير لهذا الانفجار أقل من القنبلة النووية التى سقطت فوق هيروشيما عام 1945.
وبالتالى احتل تفجير مرفأ بيروت مرتبة متوسطة فى أهم التفجيرات التى شهدتها البشرية فى المائة عام الماضية.
مادة نترات الأمونيوم هذه هى ملح بلورى يتشكل من تفاعل مادتين هما الأمونيا وحمض النيتريك.
وتتفاعل نترات الأمونيوم على درجة حرارة لا تقل عن 200 درجة مئوية لينتج منها النيتروجين وغازات ملوثة قريبة للغاية من عوادم السيارات.
وكما تقول نظرية «السيبرنطيقا» أنه لا نظام يعمل بمفرده، وكما يقول علم الجريمة أنه لا جريمة بدون فاعل، وكما تؤكد النظريات المعملية الخاصة بنترات الأمونيا أنها مادة لا تشتعل بمفردها، وإذا اشتعلت فيجب أن يكون تحت 200 درجة مئوية، فإن المأزق التاريخى لتقرير الحكومة اللبنانية سيكون الاختيار بين أهون التفسيرين: أنه عمل إسرائيلى، أم خطأ بشرى؟ لو انتهى التقرير الحكومى إلى أى منهما فى جميع الأحوال سوف ينتهى إلى سقوط الحكومة؟
الشىء المؤكد أنه بصرف النظر عن أى من التفسيرين، فإن الثابت المؤكد الأكيد الذى لا يمكن الالتفاف حوله أو إنكاره أو تقديم أى تفسير أو تبرير منطقى له هو: لماذا يخزن 2750 طناً من مادة شديدة الخطورة فى قلب مرفأ بيروت؟؟!
حدث الحادث، وانتشرت الكورونا، وانقطعت الكهرباء، وارتفعت الأسعار، وانهارت العملة الوطنية، وفقد الناس الثقة فى كل النخبة السياسية، ولم تبق أى مؤسسة واحدة مقبولة جماهيرياً سوى مؤسسة الجيش الوطنى اللبنانى.
هنا لا بد من التنويه، لمن لا يعرف، أن السلطة العسكرية بحكم قرار المجلس الأعلى للدفاع قد أعلنت أن بيروت مدينة منكوبة، وبالتالى فإن كافة المؤسسات الأمنية تتبع السلطة العسكرية.
إذن بيروت فى حالة طوارئ، وتحت سلطة الجيش رسمياً.
المصدر: الوطن المصرية