كاتب وصحفي سعودي
لا أتذكر أنني قرأت كلمة فائضة بالتشريح الصادق والبعيد عن المجاملة المعتادة لأمير منطقة سعودية تشخّص الحال التعليمية في المملكة، أفضل مما قرأت لأمير منطقة حائل سعود بن عبدالمحسن خلال كلمة ألقاها في حفلة جائزة محمد بن فهد للتفوق العلمي بالمنطقة الشرقية في نيسان (أبريل) 2012، إذ شنّ فيها هجوماً كاسحاً على نتائج العملية التعليمية في المملكة.
تذكرت خلال قراءتي كلمة سعود بن عبدالمحسن كتاب الصديق مدير جامعة اليمامة سابقاً الدكتور أحمد العيسى «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية»، الذي شخّص فيه الحال التعليمية البائسة، وأسهم في وضع «روشتة» علاجية مناسبة لإصلاح وتطوير التعليم العام والجامعي.
أقرأ من فترة لأخرى لبعض «رجيع» وزارة التربية والتعليم عبر تقديم بعض الخبرات الإنشائية، وسرد الحكايات، والترويج للذات، والتنظير على الناس بعد خروجهم من المؤسسة التعليمية، إما بكتابة كلام إنشائي عجزوا عن تطبيقه إبان عملهم، وإما انتقادات ركيكة، كما أن من أفضل ما قُدم في شأن إصلاح البيئة التعليمية وتطوير المناهج، ما عرضه عبدالعزيز القاسم وإبراهيم السكران خلال مؤتمر الحوار الوطني الثاني في مكة المكرمة عام 2003.
يرى أمير منطقة حائل أن المدخلات المادية واللوجستية في قطاع التعليم لا تتناسب مع حجم مخرجاته، مذكراً بأنه على رغم الإنفاق السخي من جانب الدولة على التعليم، «إلا أن تعليمنا لا يزال يرتهن للأداء التقليدي الذي حوّل مدارسنا إلى قاعات يملؤها السأم والملل والضجر». في كلمته ألقى أمير منطقة حائل خطاباً نارياً يندر أن يتفوّه به أمراء المناطق الذين يميلون إلى المجاملة والإنشائية، وبعضهم لا يعلم عن شؤون التعليم ومشكلاته في منطقته.
يقول أمير حائل: «للأسف لا تزال المناهج وأساليب التدريس تراوح مكانها، كما أن الحجم الهائل من الحشو في المعلومات النظرية لا يزال يسيطر على غالبية الحصص، ما جعل تطوير المناهج يتوقف عند نقطة لا يبرحها أبداً، بعد أن أصبحت تلك المناهج ميدان صراع عقيم بين مدارس فكرية عدة، بعضها لا علاقة له بالتربية ولا بالتعليم»، ويتساءل: «هل سنظل أسرى لوصاية البعض وللخوف من التغيير»؟ داعياً إلى الخروج مما سماه «حساسيات الوصاية على التعليم»، والتخلص من «المزايدات في ما بيننا»، ومطالباً بتكامل الجهود الوطنية، «ورفع وصاية الأقلية على الأكثرية التي تعرف أن مستقبلها ومستقبل أجيالها مرهون بتطور هذا القطاع، وأن يكون هناك دور إيجابي للأكثرية الصامتة».
يتأسف ابن عبدالمحسن على أن التعليم «توقف عند نقطة لا يبرحها أبداً، بعد أن أصبحت تلك المناهج ميدان صراع عقيم بين مدارس فكرية عدة، بعضها لا علاقة له لا بالتربية ولا بالتعليم»، مشيراً إلى تقرير أصدره المركز الوطني للقياس، وتصنيف البنك الدولي للمملكة تعليمياً، بما يدل على أن تلك النتائج «مخيِّبة للآمال». وذكر بلغة الأرقام أن إجمالي ما يتم صرفه على الطالب السعودي 19600 ريال، وأشار إلى أن «موازنة التعليم في عام 2012 تعادل موازنة المملكة في عام 1994، وتعادل موازنة نحو ست دول عربية».
الأكيد أن أمير حائل في تلك الكلمة تحدث بجرأة وشجاعة، وطرح جملة من التساؤلات المهمة، وأبرز بعض الإشكالات والمثالب التعليمية التي يتعامى عنها البعض عمداً، ولا شك في أن أحد الحلول هو الخروج من الوصاية على التعليم والخوف من التغيير، وأجاد في وصف حال الأطفال عندما يذهبون إلى المدارس بأنهم «يجرجرون أقدامهم إليها كل صباح بكل تثاقل، منتظرين قرع جرس الانصراف على أحرَّ من الجمر، كمن يفرُّ من معتقل».
إنها حقيقة مدارسنا التي تقوم على الحفظ والتلقين والاستذكار، وتغتال الابتكار والإبداع مع الأسف، على رغم أن التعليم الجيد هو مفتاح الأبواب للمستقبل.
رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد الذي قاد بلاده نحو 20 عاماً، نصح بالاهتمام بالرياضيات والعلوم، وخالد الفيصل «غير محظوظ» بكثرة الذين كتبوا وقدموا أنفسهم خبراء في حقلي التربية والتعليم.
لذلك أرى عدم الالتفات إلى وصاياهم ووصايتهم، وتجاهل زعيق كلماتهم وتوصياتهم، التي لو كلفوا بتنفيذها لما فعلوا. والرأي الثاني هو تحويل الوزارة إلى شركة وطنية عملاقة لها مجلس إدارة ومجلس أمناء، والبدء بحل مشكلات المعلم، ومتابعة انضباطيته وسلوكياته، وتطوير أدائه أو الاستغناء عنه إذا لم يُقدر أهمية رسالته وموقعه. والرأي الثالث، لن أقول لك اذهب إلى فنلندا، بل «هرول» إلى سيول عاصمة كوريا الجنوبية، وطبّق التجربة الكورية الرائدة القائمة على «عصرنة» التعليم وإيقاظ عقل الطالب بالعلوم، والعمل على إبعاد أصحاب الأفكار المؤدلجة والمتطرفة حتى لا يستمروا في «تلويث» عقول الطلاب، وحينها ستتغير العملية التعليمية برمتها، لكن بغير ذلك لا تحلم بأن تكون حتى في آخر الترتيب، والتصنيف العربي قبل العالمي.
ونصيحتي الأخيرة أن تطلق «اللاءات» ضدي وضد غيري، لا تستمع لنا ولا لآرائنا، ولا تقرأ مقالاتنا وهذيان حروفنا «المختطفة»!
المصدر: الحياة