في لقاء له مع وسائل الإعلام الهندية صرح معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية قائلاً «أثبت مجلس التعاون أهميته للجميع ويفضل أن تكون قطر جزءاً من المنظومة الخليجية بعد أن تثوب إلى رشدها».
إن ذلك يعنى أن دول الخليج ما زالت تود أن ترجع قطر إلى حضن الخليج الدافئ حيث مصالحها ومصالح أشقائها من دول الخليج الأخرى لا تزال على المحك. ولا تزال يد دول الخليج ممدودة إلى قطر رغم كل ما اقترفته في حق أشقائها من خرق للعهود وتهاون في الواجبات وكسر لمواثيق الأخوة والتاريخ المشترك.
قام مجلس التعاون الخليجي في العام 1981 على أسس ثابتة وواضحة وقومية، وهي حماية أمن الخليج من قبل أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية ولتقف صفاً واحداً في وجه التدخلات الإيرانية خاصة، التي باتت تمثل حجر عثرة في وجه استقرار الخليج وأمنه.
الأسس التي قام عليها مجلس التعاون وقعت عليها الدول الست التي تمثل منظومة التعاون الخليجي وتعهدت على احترامها لما في ذلك من انعكاس على أمن ورخاء شعوب الخليج والمقيمين على أرضها.
وعلى الرغم من أنه سمي مجلس تعاون إلا أنه أمضى العقد الأول من عمره في محاولة لإيجاد صيغ توافقية ترضي جميع الأعضاء ولا تتعارض مع السيادة الداخلية لكل عضو. كانت الوحدة أملاً ليس فقط لقادة المجلس، بل لشعوبه خاصة بعد أن رأت بأم عينيها الاتحاد الأوروبي، وهو يبرز شامخاً على الرغم من كل الاختلافات بين دوله.
برزت أمام المجلس تحديات كبيرة كان على رأسها الاعتداء العراقي على الكويت في العام 1991 الذي كان أول امتحان قاس لدول المجلس التي كان عليها أن تواجه غزواً خارجياً واحتلال أراض أحد أعضائه. وأظهرت دول المجلس آنذاك قدرة كبيرة على تنسيق المواقف في ما بينها والتعاون السياسي والعسكري مع الحلفاء والوقوف في وجه الاحتلال العراقي حتى تم طرده.
خلال العقدين التاليين تطورت آليات المجلس حسب مقتضيات الظروف الإقليمية والدولية وأصبح المجلس حقيقة واقعة ومطلباً شعبياً خليجياً حتى طالب الكثيرون بتحول المجلس إلى منظومة اتحادية عوضاً عن منظومة تعاون فقط.
ولكن على الرغم من الظروف المعاكسة السائدة آنذاك إلا أن حالة التعاون واحترام كل الأعضاء للشؤون الداخلية لكل منهم كانت شيئاً مقدساً احترمه الجميع، فقد كان وجود المجلس ليس فقط ضرورة إقليمية، بل كان أيضاً ضرورة دولية، فقد راهن الجميع على أهمية وجود مجلس التعاون كونه سداً منيعاً ضد التطلعات الإيرانية، التي كانت تهدف لزعزعة أمن الخليج واختراق وحدته.
ومضى المجلس من قوة إلى قوة حتى أصبح من أنجح المنظمات السياسية والاقتصادية في العالم العربي وأصبحت دول الخليج رمزاً للاستقرار السياسي في منطقة تعج بالمتغيرات المترجرجة والتيارات الراديكالية التي أدخلت الشرق الأوسط في نفق مظلم، ولكن يبدو أن نجاح المجلس لم يرق للبعض الذين وجدوا في قوة دول المجلس وتلاحم أعضائه حجر عثرة يقف في وجه أطماعهم الإقليمية في المنطقة.
وبدأت المؤامرات لشق وحدة المجلس من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء من خلال بث الفرقة ومحاولة نشر الفوضى أو بث الشائعات. هذه المحاولات كان هدفها إحداث شرخ في العلاقات الخليجية- الخليجية، الأمر الذي يسمح لها بالتدخل، ولكن دول الخليج أدركت هذه المحاولات مبكراً ووقفت ضدها.
لقد كان بقاء المجلس قوياً أولوية مهمة على أجندة المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي ولن تسمح بضعضعة المجلس ولا انهياره، ولكن تطورات الأزمة الراهنة مع قطر سمح للقوى الإقليمية أن تتدخل وسمح بإحداث شرخ في العلاقات الخليجية -الخليجية أسهمت قطر في لعب دور رئيس في أحداثه وديمومته، فعدم احترام قطر للمواثيق التي وقعتها مع مجلس التعاون وعدم احترام قطر لميثاق المجلس ودستوره يعد جريمة ترتكبها الدوحة في حق مجلس التعاون.
إن تهاون الدوحة في احترام مواثيقها الدولية والعمل ضد مصالح أشقائها في مجلس التعاون أحدث حالة من الإرباك ليس مع الجوار الإقليمي بل في العالم أيضاً. وانعكس هذا الإرباك على الأوضاع الداخلية في قطر والتي أصبحت تعيش في أزمة حقيقية وعزلة دولية.
ولا يوجد حلحلة لهذا الوضع سوى ما يقتضيه العقل والمنطق وهو الرجوع إلى الرشد والعودة إلى حضن الخليج. إما غير ذلك فهو الجريمة الكبرى التي ترتكبها قطر في حق مجلس التعاون وفي المقام الأول في شعبها.
المصدر: البيان