في اليوم الوطني الحادي والخمسين

آراء

في غضون أيام قلائل سوف تحتفل دولة الإمارات بيومها الوطني الحادي والخمسين. هذه المناسبة الغالية ليست فقط للاحتفاء بما حققته الدولة خلال نصف قرن، بل وتذكر مآثر الآباء المؤسسين الذين تركوا بصمتهم الكبيرة على كل شبر من أرض هذه الدولة. اليوم الوطني هو مناسبة لشحذ الهمم وتذكير الأجيال الجديدة بأن هذه الدولة قد قامت ليس فقط بفعل توظيف الثروة التوظيف الصحيح، بل وبفعل الجهد والتفكير وفلسفة القيادة التي أرادت صنع أنموذج مجتمعي تعيش فيه كل أطياف البشر تحت مظلة الحق والحرية والعدالة الاجتماعية. خلال نصف قرن نجحت دولة الإمارات في توظيف النفط، الذي كان الثروة الوحيدة في بداية الاتحاد، في صنع الفرق بين مجتمع اليوم ومجتمع الأمس. وعندما نتذكر الأيام الأولى للاتحاد لا يسعنا إلا تذكر الآباء المؤسسين الذين قامت على أكتافهم هذه الدولة، والذين كان لتضحياتهم الدور الأول والكبير في تثبيت أسس الاتحاد وتقوية أركانه.

قيام دولة الإمارات واستمرارية هذا الكيان حتى هذه اللحظة ليس بالحدث العادي الذي يجب أن نمر عليه مرور الكرام، فقيام كيان سياسي متحد في منطقة لم تعرف من قبل الكيانات السياسية المستقلة، ولم تعرف الأفكار الوحدوية هو حدث كبير وغير عادي في مفاهيم السياسة الدولية، فلم تعرف المنطقة أو شعوبها من قبل دولة بهذا الشكل أو هذا المفهوم، كما لم تكن البيئة الاجتماعية أو الحضرية، وهي البيئة الحاضنة آنذاك للاتحاد، مهيئة شكلياً لهذا الاتحاد. كانت الأعراف البدوية هي المسيطرة، ولها فعل القانون، وكانت المنطقة بحاجة لتنمية شاملة لكي تنفض عن نفسها غبار التخلف ومخلفات الاستعمار، ولم يكن التعليم النظامي قد تغلغل بين صفوف الناس، ولم يكتسب بعد أرضية تمكن الناس من حمل الثقل الذي يتطلبه بناء أمة.

وعلى الرغم من كل تلك المعوقات فإن الاتحاد قد قام ونما وازدهر، ليس هذا فحسب، بل واستطاع خلال نصف قرن أن يكون مجتمعاً منظماً ومنفتحاً على جميع الأجناس، والأديان، والأفكار، والأيديولوجيات، فوراء فكرة هذا الاتحاد وقفت قيادة آمنت بأن الاتحاد هو الطريق الوحيد للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنه من دون هذا الاتحاد لن يكون للمنطقة أي شأن، كما آمن شعب الإمارات بأن طريق الوحدة هو الطريق الوحيد والحقيقي للتنمية، وأن سعادة شعب الإمارات هي في استمرارية الكيان الاتحادي وقوته وبقائه متوحداً، لذا فأمام هذه الأفكار النابعة من القلب تهاوت كل الأفكار الأخرى التي أرادت النَّيل من المنجز الإماراتي. واليوم والدولة تحتفل باليوم الوطني إنما تحتفي بنصف قرن من إنجازات لم تكن متوقعة أو مسبوقة، نحتفي اليوم في الإمارات بالوصول إلى الفضاء في سابقة عربية غير مسبوقة، نحتفي بالصعود في المؤشرات العالمية إلى مراتب عالية في سابقة عربية غير معهودة، نحتفي بشعب وفيّ صان المنجز وأضاف إليه إضافات جديدة، ونحتفي بوصول الدولة إلى مكانة عالمية عالية وتربعها عليها، كل ذلك تحقق في عمر قصير من عمر الدول والشعوب. وفي الواقع لا يمكن الحديث عن منجز الدولة دون الحديث عن القيم الإنسانية التي أسهمت في تألق الدولة عالمياً، ألا وهي القيم المشتقة من المشتركات الإنسانية، فدولة الإمارات منذ إنشائها قامت ليس فقط على أسس حضارية، بل وعلى قيم إنسانية وتراث تاريخي غائر في القدم. هذه القيم بقيت حتى اليوم متألقة بفضل حرص القيادة السياسية على أن تكون تلك القيم من ركائز الاتحاد، فقيم الأخوة الإنسانية وقيم الخير والعطاء واحترام الآخر المختلف وعدم التمييز ونبذ الكراهية أصبحت كلها قيماً إنسانية قنّنت لتصبح اليوم من ركائز العمل المؤسساتي.

إن المراقبين لتطور الدولة يرون في الإمارات اليوم أنموذجاً عالمياً جديداً يستحق أن يعمم، فقيم التسامح والتعايش التي تتمتع بها دولة الإمارات لا نظير لها عالمياً، كما أن التنمية الشاملة التي تتمتع بها الدولة جعلت منها أنموذجاً جميلاً للتصالح بين العقل والثروة، فكثير من الدول حباها الله بما حبا الإمارات من ثروة بترولية، ولكن القليل منها استطاعت توظيف تلك الثروة لخير الإنسانية جمعاء، وجمع البشر على مختلف أطيافهم تحت مظلة واحدة، يعملون ويبتكرون وينتجون، والأكثر من ذلك يتعايشون ولا يختلفون.

المصدر: البيان