كاتب إماراتي
بعد جيل المخضرمين أولئك الذين ظلوا يحطبون ويكدّون السخام، ويأكلون نوى التمر والجراد وقت الشدة والمجاعة، لكن أحدهم يمكن أن يعقر بعيره لضيفه، جاء جيل الطيبين الذين لحقوا على المحنة، وذاقوا شيئاً من الطفرة، لكنهم بقوا صافي السريرة، وينتخون، ولا يجسرون على أن يفرطوا بالقديم وأشيائه الثمينة مثل وصايا معلقة في الأعناق، ولا يريدون أن يفرطوا في الجديد والقادم المختلف، بعدهم جاء جيل رقمي لم نعرف له تسمية، التقنية أعطتهم التسمية، ومنحتهم التصنيف، وميّزتهم بأيد ناعمة، لم تعرف «ضرب الخصّين، ولا جر حبل القلص»، ولا ذاقوا حرقة العطش، ولا عرفوا سموم الصحراء، أطلقت عليهم أجيال «الفا.. وبيتا»، وبعدهم تباعاً ستأتي أجيال «دلتا.. وروميو»، وهكذا الحياة تمضي.
– اليوم.. ما يغيض أن يأتيك شخص مولود عام 2000 التي هي وراءنا بمقدار فَرّة العصا، ويقدم لك نصيحة من العيار الثقيل، ودرساً في السلوك والأخلاق الجديدة من تلك الدروس التي تعلمها خلال عشرين عاماً فقط، ومن خلال كتيبات تطوير الذات!
– من الممكن أن تتقبل من جيل «الفا» نصيحة كيف يمكن لك أن تشبك شبكة بشبكة دون أسلاك، وتتواصل معها عبر الألياف البحرية، لكنه بالتأكيد لا يقوى على نصيحة من عيار «رأس الحكمة»، ومعنى «التقوى» أو كيف يمكن أن تفسل غرساً أو نخلة أو تعرف التفريق بين الحنين والرغاء!
– جيل «الفا» غلبوا الأجيال السابقة بثلاثة أشياء؛ الاستراتيجية والشفافية والخصخصة.
– بودنا أن نتصالح مع الأجيال الجديدة وردم تلك الهوّة، وتجسير تلك المسافة بين أجيال ما قبل الألفية، وأجيال ما بعد الألفية، لكن مشكلتنا اللغة الإنجليزية، نحن نتكلمها، وهم يفكرون بها!
– لا شك غابت بعض المفاهيم القديمة، وما عادت تعني في الحياة الجديدة، ولا نستطيع أن نلوم أحداً، هل أولئك حملوا تلك المفاهيم بطريقة خاطئة؟ أم هؤلاء فهموا الحياة ومتطلباتها بطريقة صحيحة؟ فما عاد للستر والحشمة والإيثار والسنع والنخوة نفس المعاني، ولا تلك القدسية، أولئك يشكون غيابها، وهؤلاء لا يعترفون بوجودها!
– من أسوأ الأمور أن يشعر الجيل القديم أنه مهزوم، ويشعر الجيل الجديد أنه منتصر!
– اعتقد أن هناك مسألة صغيرة في طرحها، لكنها كبيرة في معناها، وقد توجز تلك الفروق بين «جيل أول، وجيل تالي»، الأولون ينشون الفجر، ويثورون الضو، ويحمسون قهوتهم على حطب سمر، ويظلون يقلبونها بذاك المحماس على إيقاع نشيدهم وقصائدهم، ثم يدقونها في منحاز هاشمي على وَنّة خارجة من الخاطر في ذكر سليمى والدلال وتنعّم، يساوون بها ويزلّونها مراوحة في ثلاث دلال نحاسية، لكل واحدة مسماها ووظيفتها، وهناك أربعة فناجين لكل منها غايته ورسالته وإفصاح مراده؛ واحد للهيف، والثاني للضيف والثالث للكيف والرابع للسيف، وإن صبّ قهوته كان واقفاً أو جاباً ركبته، دلته في اليد الشمال، ينغم بأصابعه على فناجين تحملها يده اليمين، في حين الجيل التالي ينش والغمص في عيونه عقب الفجر، ويطلب قهوته من هاتفه وفي «ماغ» كبير من «ستاربكس»، وهذاك طريقه في سيارته!
المصدر: الاتحاد