كاتب وصحفي سعودي
عندما تجلس إلى بعض العراقيين، وتسمع أنين كلماتهم وقهرهم، والخطر الذي يطوّق حياتهم وأمنهم، تعرف كمعانى العراقيون من الدماء والإرهاب والدمار وخراب الديار بسبب سياسات نوري المالكي وطائفيته وديكتاتوريته وفساده وفشله.
ما أعرفه شخصياً، حينما تسلّم المالكي رئاسة وزراء العراق عام 2006، أبدت السعودية رغبة في التعاون معه وهنأته رسمياً، وأعلنت استعدادها لمساعدة العراق في تجاوز ظروفه، لكن المالكي كان في كل مرة يراوغ ويتذاكى ويكذب إزاء ما يتم الاتفاق عليه وما يعد به، وعندما انكشف زيف وعوده وسوء إدارته وخبث سياساته، تجاهلته الرياض نهائياً، فحاول آنذاك الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، التوسط عند العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمقابلة المالكي أو الرد عليه، فرفض بشدة، مشدداً على أن العراق أكبر من المالكي، وأنه شخص غير صادق ومراوغ، وسيقود العراق إلى مستنقع خطر. وكذلك حاول بعض المسؤولين الأميركان لاحقاً، فكان العاهل السعودي يرد بالإجابة نفسها التي رد بها على بوش.
أخيراً، عندما انتفض العراقيون على طائفية وسياسة المالكي المخزية، ما كان من واشنطن وطهران إلا أن لفظتاه سريعاً بطريقة أشبه بالتخلص من «كرت» سياسي محترق، منتهي الصلاحية، ويتضح ذلك من خلال تطابق لغة تصريحاتهما وتقارب لحظاتها الزمانية، ما جعل المالكي يخرج «مجبراً صاغراً»، لكن «بعد خراب مالطا»!
مارس المالكي صاحب مشروع «فرسنة» العراق، كل أصناف الطائفية البغيضة والعنصرية النتنة والإقصائية المقيتة، وصفّى حساباته مع خصومه ومعارضيه، بالتشويه والملاحقة والسجون، مع تغييبه التام للعدالة الاجتماعية، وطغيان المحسوبيات، وفي وقته تفشى الإرهاب وتزايدت نسب الفقر والبطالة والخوف، والانتحار بين سكان بلد نفطي.
إضافة إلى استماتته في نقل العراق من مستقل ومن محيطه العربي إلى «التبعية» الكاملة لإيران، التي ظلت تلعب في داخله وتتدخل في شؤونه في صمت تام من الدول العربية.
قبل عامين تقريباً، وصف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نوري المالكي بـ«الديكتاتور»، وأنه جاء إلى الحكم من وراء الحدود، بدلالة أن الشيعة يئسوا منه قبل السّنّة!
كانت أمنيات العراقيين أن يرسم المالكي صورة جديدة للعراق تختلف عن الصور المطبوعة في الأذهان عن فترة حكم حزب البعث، لكنه وحزبه ومن خلفهما إيران رسخوا واقعاً سيئاً مخضباً بالديكتاتورية والطائفية والعنصرية، حتى أصبحت صورة البعث أفضل منهم، وحكمه أفضل من فترة حكمهم!
لم يفز المالكي في الانتخابات الثانية 2010، إلا أنه بقي في السلطة على حساب منافسيه، بعد «تفاهم سري» بين واشنطن وطهران عبر الوسيط التركي، قبل «اتفاق جنيف» الذي فتح باب المفاوضات بين أميركا وإيران!
بعد تلك الانتخابات، رفض المالكي تسليم السلطة، على رغم فوز ائتلاف «العراقية»، وعض عليها بكل ضروسه، كما حاول أن يفعل أخيراً قبل تدخل المرجع الشيعي علي السيستاني.
المالكي فاشل جداً في سياسته الداخلية، وبليد جداً في العلاقات الدولية، التي أفسدها مع دول عدة، وأولاها دول الجوار، ما عدا إيران، وما يحدث في العراق من إرهاب ودموية وفقر وتهجير، ليس إلا نتاج سياساته الطائفية والعنصرية والفئوية ضد كل مكونات الشعب العراقي.
منذ أعوام، وشعارات ولافتات تُرفع في مدن ومحافظات عراقية متنوعة الطوائف ضد سياسات المالكي من بينها: «العراق أولاً»، و«إسقاط حكومة إيران في بغداد»، بعد أن فاض الكيل بالناس، وفقدوا الثقة بحكومة لا تعتني بالداخل العراقي، بقدر ما تهتم برضا واشنطن وطهران.
وترسخت لدى كل العراقيين طائفية المالكي، بعد أن وضع لنفسه وشلته حصانة دستورية وقداسة، واعتبر كل معارض له خارجاً على القانون، أو «إرهابياً رجعياً ظلامياً»، وقام بتصفية معارضيه وملاحقتهم بالأباطيل!
الأكيد أنه لا يمكن حكم العراق من طائفة واحدة، وحكومة المالكي كانت طائفية وعنصرية وكارثية على العراق والعراقيين، ومحاكمته ضرورة ومطلب شعبي لعلاج العراق من داء مثل هؤلاء الطائفيين الفاسدين، بعد أن ورّط البلاد بممارساته البغيضة هو وحكومته في ما آل إليه عراق اليوم!
ولا شك في أن الدول العربية تتحمل جزءاً من مسؤولية خطف إيران للعراق، بسبب انصرافها عنه، فمثل العراق لا يستحق أن يُترك لما تقرره إيران ولا لمصيره المجهول، إذ كان وما زال، بتاريخه الضخم وموقعه الاستراتيجي وغنى أراضيه بالثروات والمكونات البشرية، يحتاج إلى وقفة عربية حقيقية تتجاوز كل الخلافات، حتى يتمكّن من استعادة عافيته، كما يتعين على رجالاته المخلصين أن يعملوا على حماية أمنه وسيادته وتوحيد لُحمته وإعلاء مصالحه، لا خدمة واشنطن أو طهران.
يأمل العراقيون من حيدر العبادي خيراً، ولكي تثبت حكومته أنها لكل العراقيين، لا لـ«حزب الدعوة» المنتسب إليه، وأنها مختلفة عن حكومة المالكي الطائفية العنصرية، عليها إطفاء الحرائق باستصدار أمر جمهوري بمحاكمة المالكي إزاء ما اقترفه بحق العراق والعراقيين، مثلما حُوكم صدام حسين من ذي قبل، فملفه سيكون أثقل إجرامية من ملف صدام.
كما يجب أن تكون من أولويات حكومة العبادي، المسارعة إلى المصالحة مع جميع مكونات وشرائح العراق، خصوصاً السنة، ومنح الأقليات حقوقها وحمايتها، وتقوية مؤسسات الدولة، ومواجهة الإرهاب بكل شجاعة، ونبذ الأفكار الطائفية والعنصرية، وإبعاد إيران عن العراق، إضافة إلى رفض المشاريع الرامية إلى تفكيك العراق وتقسيمه، وتدشين خريطة طريق لبناء عراق جديد، قائم على العدالة والحرية والمساواة.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jameel-Al-Doiabi/4195639