لأنه أصبح عملاً فردياً، ولأن المثقف يقول دائماً «أنا ومن بعدي الطوفان».
ولأن مساحة الـ «سوشيال ميديا» تعج فكرة «دعه يعمل، دعه يمر» ومن دون معرفة لمعنى هذا المصطلح، ولأن الثقافة ربما شغلت كل الناس عدا المثقف، فإن الثقافة تتوارى بخجل خلف طيات من الإنجازات في الصعد الأخرى، وتختبئ تحت سجادة قديمة قدم الدهر، وتترك المجال للغوغاغية، والعشوائية، تنمو مثل الفطريات في جسد الثقافة.
كنت أتمنى أن تنضوي الأطراف كافة تحت لواء اتحاد الكتاب، والعمل معاً من أجل الإمارات، لا من أجل هذا أو ذاك، ولكن وللأسف لأن الأنا تورمت إلى حد التقيح، ولأن الفكر الفردي غزا، وطغى، وتكبر وصار الفرد ينفخ في جعبته حتى انتفخت وصارت طبلاً قابلا لحرق ثاني أكسيد الكربون في وجه كل من يقابله، وحتى لو كان هذا المقابل، كائناً ملائكياً، لأن العقل أصيب بالغبار، ولأن القلب طمس مشاعره السعار، ولأن المشاعر تيبست، وصارت خشباً مسندة، وأن كل ما يعارض المصلحة الذاتية صار عدواً لدوداً، وهذا ما يجعلنا نبحث عن ذات الثقافة فلا نجد سوى، طرائق قدداً، ولا نرى غير متفرقات لقصاصات ورقية تتقاذفها الريح، فلا هي تطير، ولا هي تقع على الأرض.
أمر مؤسف، ومؤذ للمشاعر عندما تكون الثقافة، مجرد هواية، وليست مبدأ يجب أن يحكم علاقتنا بالإنسان، وكذلك يربطنا بروح الوطن.
أمر يبعث على الأسى عندما تصير الثقافة، مكاناً لهوامش، مستبعدة من قاموس المثقف، ومنطقة معزولة الأثر، وحقلاً تيبست أعشابه، وصارت أعواداً خشنة غير قابلة للمس، أمر محزن أن لا يكون للثقافة، بيت تسكن في الأرواح الحية، ويمارس الجميع حقه المشروع في بناء خيمة ثقافية لها أعمدتها التي تحميها من السقوط، ولها سقفها الذي يجعلها شامخة كأنها السماء في صفائها.
نحن بحاجة إلى الصفاء، نحن بحاجة إلى النجمة التي تضيء لنا سماءنا، وتدلنا على الطريق، ذلك الطريق الذي منه نعرف بأن الثقافة ليست ترفاً، وإنما هي واجب إنساني قبل كل، وهي نقطة الالتقاء ما بين الشمعة والكلمة.
إذا لم نتخلص من بارانويا الثقافة، فسوف تظل الثقافة تعاني من الأنيميا، وسوف تقاسي مرارة آلام المفاصل، وروماتيزما العظام. والله المستعان.
المصدر: الاتحاد