كاتب إماراتي
أتساءل: لماذا زاد الحس الفكاهي عند الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح الجميع يتمتع بتلك الخاصية التي كانت في السابق ميزة ينفرد بها بعض الأفراد؟ اليوم كثير من الناس يفضلون أن يشاهدوا التعليقات أكثر من الحدث نفسه، لأنها تفتح لهم آفاقاً مستترة أقلها استدعاء الضحكة أو البسمة، طبعاً هناك بعض المشاركين من ثقلاء الدم الرقمي، لأن الحياة لا تخلو أيضاً، فتجده يريد لكل نكتة «كتالوجاً» خاصاً بها، ليستوعبها، وقد لا يضحك لها، لأن الأمور المتأخرة لا تجلب إلا الضجر عادة، وهناك أيضاً أشخاص، مهنتهم في الحياة تحويل الضحكة إلى مأتم، لأن لديه قضية كبرى، وهو بالتأكيد كبير المزايدين، فلو كانت حادثة لطفل في مكان ما، وهزت هذه الحادثة وجدان الناس، وتعاطفوا معها، وساندوا الطفل، فسيظهر لك واحد من أولئك الذين يغرفون من القدر الخطأ أو يظهرون من الظلام أو يكون لابداً وحده في حقل الذرة، ليقول: لا تنسوا أطفال فلسطين، فمعاناتهم أكثر من هذا الطفل! ليتحول الموضوع إلى مفترق آخر، ونهج جديد.
في وسائط التواصل الاجتماعي هناك حس فكاهي عالٍ، حتى تعتقد أن وراءه أناس يتعبون، ويفكرون ليكتبوا النكتة أو يحولوا الموقف لـ«فانتازيا» مضحكة، مثلما كان يفعل بعض الموهوبين الذين يكتبون نكت الأفلام والمسرحيات للأبطال والنجوم، وبعض المشاهير كانوا يدفعون لهم مقابل كل نكتة أو موقف فكاهي مبلغاً لكي يجعله متجدداً باستمرار، خاصة في العروض المسرحية التي تمتد لسنوات في عرضها أو تنقلها إلى أمكنة أخرى مختلفة.
في الفضاء الرقمي الكل يعمل مجاناً، لكي يكون بارزاً للعيان، متجدداً ويستقطب إشارات وعلامات الإعجاب من المتابعين، لكن ما يميز البسمة الرقمية أنها على درجة عالية من الذكاء، وفيها حرفية فنية، ويقف خلفها موهوبون حقيقيون، لو أنهم اتجهوا للعمل الفني لنجح الكثير منهم، الغريب أن هذا الأمر ليس منحصراً في الفضاء العربي من أقصاه إلى أقصاه، ولكن في الفضاء اللاتيني، خاصة الناطقين بالإسبانية والإيطالية، ولدى الشعوب الأخرى من أوروبيين وصينيين، حتى الشعب الذي كان لا يضحك للرغيف السخن، ويتعارك مع الكاميرا الخفية، وما عنده غير القول التالي: «يا تطْخّه.. يا تكسر مخّه»، انبرى لنا شعباً ضحوكاً، وذا نكتة خفيفة وحلوة، ومتفاعلاً جميلاً على المنصات الرقمية، بعيداً عن المواجهة والالتحام الشخصي الذي يمقته.
تتعدد الضحكات في الفضاء الرقمي، منها الرياضية، والاجتماعية والفنية، وحتى السياسية، لأن هناك صيادين مهرة لكل شاردة وواردة، وأمنية حياتهم أن يغلط الواحد أمامهم، لأنهم مستعدون لاستلامه طازجاً، وتسليمه ناضجاً، وأحياناً لا يشترط أن يغلط، لأنهم كلهم عيون ناقدة لاقطة، ويمكن أن يخلقوا من الحبة قبة، ويضخموا الأمور بطريقة «كاريكاتوريه» لاستجلاب ضحكة الآخر، واستدعاء تعليقه الفكاهي، ليخلقوا ذاك التفاعل والحس الفكاهي الرقمي على وسائط نمسكها باليد دوماً، ونبثها منذ صباحاتنا كل ما فينا من ضحكات أو خيبات، لأننا نريد أن نضحك أولاً، ونبكي تالياً!
المصدر: الاتحاد