على مستوى الإمارات بدءاً من ليوا ومروراً بالذيد ولا نهاية لهذا العرس التاريخي احتفالاً بالرطب واحتفاء وبالنخلة هو ذلك العقل الباطن الذي يظل النبراس الذي أضاء، وهو الفأس الذي شق باطن التراب بحثاً عن درة الماء والتراب وروح الحياة للإنسان الإماراتي.
الاستقبال الحار لميلاد الرطب في الإمارات، إنما هو مصافحة للأصفر الفاقع الأحمر القاني هو سيرورة العناق بين أيدي العشاق والمعشوقة نخلة الأحلام الزاهية.
منذ فجر التاريخ، اتخذت النخلة مقعدها المخملي في أفئدة هذا الشعب، وسكنت في الأرواح شغفاً ولهفاً، وصارت القامة والهامة وقيامة الحشر العاطفي ولقمة المساء والصباح لإنسان وجد نفسه في قلب الصحراء يقطف ثمرات العذوبة، ويتسرب في ضمير النخلة كما هي الجداول التي أغدقت الجذوع بترياق النمو وسموق الأغصان وبسوق الأعناق.
في بلادنا للنخلة فصول ارتواء ومواسم ذائقة، في بلادنا لعناقيد الأصفر والأحمر أنامل تداعب شغاف الأفئدة ورموش تظل المشاعر برهافة المعنى، وترسم صورة لغابات تسامت وارتقت وتعالت واعتلت حبال الأعطاف حتى صارت في الجوهر نقطة الارتكاز في دائرة الوعي حتى بدت في الوعي نجمة تضيء ذاكرة ما انطفأت مصابيحها على مر الزمان لأنها القناديل التي تضفر جدائل الجمال في عيون العشاق، وترسخ الذائقة الجمالية على سبورة الأجيال المتعاقبة.
النخلة حبل الوصل ما بين تمرة الروح وكف مخضب بالعرق، النخلة في الوجود جود وجواد يهب الحياة صهيل النوايا الغافية على رمش ومقلة.
ومنذ البدء والنخلة حمالة الرطب، النخلة شيء في الوجدان يحتطب عشبة الأفئدة ويثري مروج المواسم بعذب وشذب والرطب الجني، يهز جذوع القلوب ويمتلك الشريان والوريد، ويملأ أفنية الزمان بأسئلة علامات استفهامها عناقيد تدلي بأخبار الصيف وتعلن بافتتاح نافذة السعد وانبثاق العطر من ثنيات الدر النفيس.
منذ البدء كانت الرحلة طويلة والسفر يسفر عن لهفة العشاق الذين في قلوبهم دنف، والذين يحملون على الأكتاف أوعية الزاد، وينحتون الأرض بأقدام كأنها أقلام ترسم صورة الإنسان الخالد إنسان الصحراء وصرخة وجودها وصخرة جبالها وقدرة الله في الخلق وإبداع ما يسهب في الدهشة وما يسترسل في التحليق جمالاً.
الإمارات قطعت أميالاً في التقدم التقني والتكنولوجي وحجزت لها في عالم الحضارات اليانعة مكاناً واسعاً ومكانة عظيمة، ولكن بفضل العقول اليافعة لم تغلق حقيبة الأمس ولم تغادر مكان التاريخ، بل أمعنت في الإمساك بكف النخلة والذهاب بها في أعماق مشاعر الأجيال وتعليم الأيادي الناعمة كيف يدربون الكفوف على سبر أخبار الحبل وهو يسحب وجيب الأرض كي تنهل النخلة من عذب الماء.
الإمارات أمسكت بالعصا من نصفها وأيقنت أن للماضي حبلاً مشدوداً مع الحاضر ولكنه حبل مربوط بيد المستقبل، وهي اليوم تفتح الصفحات الناصعة كي يقرأ الجيل الحاضر ما نقشه السابقون وما رسموه وما شيدوه من عروش المجد على صدر الصحراء وأبلوا بلاءً حسناً في التلامس مع الغيمة التي كانت مصدر العلاقة الوطيدة بين طين الأرض وجذر النخلة.
المصدر: الاتحاد