مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
حليب أسود تجربة فاتنة حقاً للكاتبة ألف شفق. وهو عبارة عن مذكرات تحكي فيها عن تجربتها مع اكتئاب ما بعد الولادة، وما واجهته من مخاوف ومصاعب تجاه مرحلة الأمومة التي ستقبل عليها، ومدى تأثير المخاوف التي تسيطر على المرأة في خضم هذه التجربة، وخاصة حين تتشظى بين أمومتها وإبداعها ككاتبة وروائية، فيجف حليبها أو يتحول إلى حليب أسود في اشتباك رمزي مع لون الحبر ومعنى الكتابة، وهنا تبدأ الذات المبدعة باستدعاء الأوهام والخيالات ونصائح الجدات!
إلى جانب المتعة وخفة الروح والطرافة في هذا الكتاب، فإنه كتاب يمكنه أن يعين النساء ليتصالحن مع ذواتهن المتشظية والقلقة وبأسلوب لا يثير الأسى، أو يلعب على نغمة الاضطهاد.
جاء في مقدمة الكتاب (لا توجد حقيقة ناصعة مثل بياض الحليب، فلماذا أصبح الحليبُ أسودَ؟ تحت هذا العنوان اللافت للنظر تضعنا الروائية ألِف شفَق أمام سر كبير، كما في أسرار العشق الأربعين. في هذا السر تصف الروائية تجربة مظلمة لا تصيب بالضرورة كل الأمهات حديثات الولادة، لكنها إذا ما أصابت روائية مثل شفَق فإنها تتحول إلى حالة من البصيرة واليقظة تُشهد عليها الناس كلهم، فيمتد ضوؤها إلى أرواحهم ويصيبهم شيء منه، يذهبن بعدها يفتشن عن أبوابٍ واسعةٍ للفهم تُفضي بهن إلى سهول الإبداع، حيث يتشاركن فيها تجاربهن مع البشرية جمعاء).
تستحضر ألف في «حليب أسود» الكثير من الكاتبات وتجاربهن مع الولادة والأمومة، ومدى العلاقة بين الإبداع وكون الكاتبة أنثى ذات مسؤوليات مضاعفة، كما تشير بشكل ساطع إلى حالات الاكتئاب التي تصيب النساء بعد الطلاق وبعد والولادة، وبعد الفقد وأثر تجارب الحب الفاشلة، وبعد العمليات الجراحية حين يجد الإنسان نفسه مقيداً إلى السرير أو عاجزاً عن الحركة، وحين يكون عليهن في حالات معينة أن يغادرن بيوتهن إلى منازل أخرى لم يعتدنها.. لذلك فهن في أمس الحاجة للتواصل العميق والحميم مع الأصدقاء والأزواج والعائلة، وهذا التواصل واحد من أهم العلاجات الإنسانية للقضاء على الاكتئاب والغفلة عنه أو إهماله يفاقم من مآسي النساء!
المصدر: البيان