كاتب إماراتي
ما عاد خافياً على أحد بأن المزاج السياسي في الولايات المتحدة والغرب عموماً لم يعد يتقبل فكرة التدخل العسكري البري في أي من القضايا التي تخص منطقتنا العربية، ما دام الأمر لم يصل إلى المساس بالمصالح الاستراتيجية الغربية مباشرةً. وربما كانت تجربتا العراق وأفغانستان السبب في مثل هذا الموقف.
هذا التوجه يلقى تأييداً كبيراً من الرأي العام ومن المحللين الغربيين، لأن التكاليف المالية والبشرية كانت كبيرة في التجارب السابقة. كما أنه لم يعد خافياً أن الجهود السياسية العربية في إقناع الغرب بأن «الحرب الفوقية» غير كافية لإنهاء خطر «داعش»، لم يكتب لها النجاح حتى الآن.
لذا، فإن أفضل نصيحة يمكن أن يقدمها أي مراقب موضوعي لمتخذي القرار العرب، في ما يحدث من تراجيديا القتل وتمدد تنظيم «داعش» فكرياً وجغرافياً، هي: البحث عن آليات عربية خاصة للتضييق عليها، بل والبحث في فكرة شن حرب برية إن كان في ذلك «خلاص نهائي»، سواء من خلال تفعيل اتفاقية الدفاع العربي أو تسليح العشائر السنّية العراقية، لأن ما يحدثه هذا التنظيم يظهر أن آثاره السلبية للتأخر في القضاء عليه أكبر على الإسلام والمسلمين في العالم.
المشكلة الكبرى، أن هناك بعض المحللين الغربيين لا يفرقون بين الإسلام كدين سمح وبين تطرف الحركات المتأسلمة، عندئذ فإنهم يعتقدون أن الذي يحدث في المنطقة هو حرب طائفية بين المسلمين أنفسهم، وكأن «داعش» يمثل كل السنّة ضد الشيعة، مع أن ما يرتكبه «داعش» من مجازر ضد السنة أكبر مما يفعله ضد الشيعة. ولو تتبعنا المستفيد من أفعال «داعش» لوجدنا أن النظام الإيراني هو أول المستفيدين. ولا يخفى أن هذا التنظيم هو السبب في تسليح الميليشيات الشيعية التي توالي إيران.
النقطة المهمة، أن «داعش» قد يزعم أنه يدافع عن السنة، لكن الحقيقة ليست كذلك، والذي يحدث فعلياً هو استغلال الدين الإسلامي في الإرهاب والتطرف لتحقيق مصالح سياسية. كما أن التبرير لأفعال «داعش» من قبل بعض المحللين باعتباره يمثل طائفة معينة، في غير صالح الإسلام والمسلمين، بل ربما يكون هذا أحد العراقيل في القضاء على «داعش»، وبالتالي تكون النتيجة وجود من يؤيد أفكاره في المجتمع.
توجد فرصة الآن لتكاتف المجتمع الدولي لقبول فكرة القضاء على «داعش»، لاسيما في الغرب عموماً، وفرنسا وبريطانيا خصوصاً، فالأولى شهدت واحدة من مشاهد التنظيم عندما تم حز عنق مدير شركة بيد أحد مؤيدي «داعش»، كما أن بريطانيا لا تزال تعيش صدمة جريمة منتجع سوسة السياحي في تونس، حيث قُتل أكثر من 30 بريطانياً، وهناك ضغوط من الرأي العام في البلدين للتشدد مع المتطرفين الإسلاميين. هذا المناخ ربما يوضح لنا أهمية استغلال العرب لإقناع الغرب بالتدخل العسكري وربما زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي إلى لندن، والتي ركز فيها على مناقشة ملف الإرهاب والتطرف في المنطقة، تندرج تحت هذا البند.
لابد أن يدرك الغرب أن التراخي في مواجهة عسكرية لـ«داعش» لن تكون نتيجته إلا المزيد من الدمار والمآسي للمنطقة والعالم، لأن بعض الملتحقين بـ«داعش» من الدول الغربية إن لم يكن أغلبهم، وهذا الأمر يعني عملياً أن «داعش» متوغل في تلك المجتمعات. وفي جانب آخر فإن تردد الغرب عموماً وتلكؤه في شن حرب برية، هو بالنسبة لأبناء المنطقة مؤشر على نوايا غير طيبة تجاه العرب، خاصة بعدما اتضحت خطورة «داعش» على المنطقة، لاسيما أنها تتحرك في إطار جغرافي معين، وليس في المنطقة كلها.
التوجهات الغربية لا تبشر بالتحرك نحو محاربة «داعش» والقضاء عليه. ولعل الأمر لا يزال غير مغرٍ، ولا يهدد المصالح الغربية إلى الحد الذي يتطلب التحرك الحقيقي، وبالتالي فعلى العرب إيجاد آلية مناسب في مواجهة «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة، لأن نموذجه صار يبدو مغرياً، وبالتالي يتم استنساخه. ولأن هذا التنظيم بات أكثر توحشاً!
المصدر: الاتحاد