نهاية مهنة الصحفي!

آراء

عندما صرح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، خلال افتتاحه لفعاليات «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل»، الأسبوع الماضي، بأن وظيفة الصحفي ستكون خلال عقود «خبراً من الماضي»، فإنه كان يلخص ويفسر بتجرد كامل ما يجري على أرض الواقع من تطورات باتت تغير الكثير من الأنماط الوظيفية في كل دول العالم لأسباب مختلفة، بعضها ماديّ وبعضها تقني.

ومع أن خطاب الشيخ عبدالله كان موجهاً إلى الجيل الحالي من الصحفيين الإماراتيين، ووفق رؤية شاملة، فإن «الهم» يشمل الجيل العربي بأكمله، علماً بأن هذا التحدي يبقى تأثيره على الوضع الإماراتي مقارنةً بالدول العربية وربما الغربية أيضاً بسيطاً، فغالباً ما يكون أي تغير جديد على المجتمع الإماراتي قد سبقه دخول مرحلة من الاستباق له وفق منهج إماراتي يستبق الحدث قبل وقوعه.

الكل يدرك أن العالم يواجه ظاهرة مقلقة، فالجميع يعاني مشكلة «انقراض» عهد الوظيفة بشكل عام، وإن كانت الأمور لا تزال في بدايتها، خاصة بالنسبة لوظيفة الصحفي، إلا أن الأمر لا يعني تجاهله وعدم الالتفات إليه، وإذا كان يبدو من المبكر أن نقلق عربياً من هذا الأمر، لأسباب لها علاقة بالاستعداد التكنولوجي، على أساس أن البنية الأساسية التقنية في الدول العربية غير مهيأة بعد، فإن الاستعداد المسبق يمكن أن يقلل حجم الخسائر المتوقعة.

الخبرة العربية تؤكد أن الجانب الأصعب في أي قضية مستقبلية هو التعامل مع الأزمات وفق سياسة رد الفعل، فهناك انخفاض في الوظائف في العالم أدى إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل، ممن يمكن اعتبارهم ضحايا «الروبوت» الذي عمل على تقليل وإنهاء دور البشر في وظائف كثيرة، أو تسبب في انخفاض الدخل المادي للعاملين في هذه الوظائف.

وإذا كان الحديث، اليوم، عن قيادة السيارات بطريقة إلكترونية، فإن التطورات الحالية في مجال الصحافة هي مرحلة البداية لعهد إحلال «الروبوت» في وظائف تحتاج إلى تفكير أو تحليل وكتابة.

من المفارقات الدالة أن تلك التصريحات جاءت في وقت لا يزال الإعلام العربي يعاني فيه تبعات الإعلام الحديث، ولم يستطع بعد حسم التحديات التي تواجهه جراء صعود وسائل إعلام التواصل الاجتماعي، وخاصة في مسألة «مصداقية» الخبر ومصدره، والمسؤولية الوطنية التي ينبغي أن يقوم به هذا الإعلام في الحفاظ على المكتسبات الوطنية للدول، بعدما فجرت مسألة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» الكثير مما تحقق في مجال النقاش الإعلامي والشفافية، حتى بات المراقب لا يعرف إلى أين يمكن أن يوصلنا ما يطرح في هذا الإعلام من مسألة الإساءة للأوطان وللعلاقات بين الدول، وأحياناً بين الأفراد.

ولعلني أنحاز إلى دولة الإمارات في موضوع «الصحفي» الإلكتروني، من ناحية مواجهة هذا التحدي، فما يتميز به المجتمع الإماراتي عن غيره من باقي المجتمعات والدول، كونه يتمتع بحيوية كبيرة في استخدام التكنولوجيا وبمرونة في التعامل مع المتغيرات الحياتية، الأمر الذي جعله في كثير من التغيرات التقنية الحديثة رائداً حتى بالمقارنة مع الدول الغربية.. إلا أن الحديث هنا يشمل الإنسان العربي والرغبة في تمكينه من تطور مماثل.

والمشكلة أن أي مجتمع أو دولة أو مؤسسة إعلامية، إذا لم تلاحق التطور فستدفع من رصيد مكانتها لدى الجماهير أضعاف ما تقبضه من المردود المادي لما تقوم به في مجالات غير مُطَوَّرة تقنية.

لهذا، فإن مثل ذلك الكلام عندما يأتي من شخصية بوزن سمو الشيخ عبدالله بن زايد، ندرك معنى التغير في هذا المجال، إذ لا بد أن يثير الانتباه ويلفت إلى ضرورة الدراسة والتقييم بهذا الشأن.

حين يمر المرء بتجربة وسائل التواصل الاجتماعي (الإعلام الحديث) في عالمنا العربي، والتي خلقت «المواطن الإعلامي» الذي بات يمثل تحدياً حقيقياً أمام الإعلام التقليدي، سواء في سرعة نقل الخبر أو قدرته على التأثير.. بغض النظر عن مصداقيته فإنه لا يستطيع أن يكتم قلقه من أن ما سيواجه الصحفي التقليدي من الصحفي الإلكتروني، والذي كما أشارت التقارير المنشورة، سيملك قدرات، ليست لغوية فقط، ولكن معلوماتية أيضاً، بجانب تقليل التكلفة المالية لصناعة الخبر، وهو المتغير الأهم في هذه المعادلة بعد أن دخل رجال الأعمال عالم الإعلام.

وفق هذه القراءة فإن مسألة التدريب ومهارات الكتابة وغيرها، باعتبارها من أساسيات العمل الإعلامي، ستكون غير مجدية بالنسبة للأفراد والمؤسسات مستقبلاً.

في ما طرحه سمو الشيخ عبدالله الكثير مما ينبغي أن يثير اهتمام وسائل الإعلام في العالم العربي، فهو وإن كان يخاطب جيل المستقبل في دولة الإمارات، فإن دائرة اهتمام تفسيراته تشمل الدول العربية.

المصدر: الاتحاد