كاتب إماراتي
الحوارات والمساجلات والنقائض هي التي تسود الساحات الإعلامية الافتراضية، وكأن طرح فكرة عامة ومناقشتها من كافة الجوانب من خلال حوار حضاري، يقبل بالآخر صديقاً لا نداً، ولا مخالفاً غير خلاف الرأي، أمر لا تستسيغه هذه المنصات الجديدة أو هو أمر لا يحبذه المتواجدون فيها، سواء أكانوا مقنعين أو مزيفين أو يحملون أسماء وهمية، فما يكاد شخص يطرح فكرة حتى تجد من يريد أن يحط من شخص الطارح قبل الفكرة أو تجده يسفّه الفكرة من أجل النيل من الشخص، كل فكرة في الوسائط الرقمية هي عرضة للشخصنة، وعرضة للإسفاف والتصغير والهجوم المباغت على هوامش الفكرة، لا الفكرة الأصلية.
ولنأخذ مثالاً حدث أخيراً مع خبر زيادة تسعيرة البترول أو ما يعرف عند البعض بغلاء البنزين، وكيف تمت مناقشته بين الأطراف المختلفة، وكلهم متحفزون، والجميع يريد أن يبرز نفسه بطرح فكرة مغايرة، ولو كانت بعيدة عن لب الموضوع، وبعد أن تتشعب الحوارات الجانبية تنتهي إلى حوارات هامشية وجانبية أخرى ويضيع الموضوع الأساسي في وحل تعرجات الطريق.
غلاء البترول ظهر له أنصار مؤيدون، ويدافعون عن الغلاء بما وجدوا من وسيلة جانبية تجر الفكرة من دارها إلى الخارج لتضيع في تشعبات الطريق، مثل: نحن من أرخص دول العالم في تسعيرة لتر البنزين! فلا تعرف أين تصب هذه الفكرة في دعم وتعزيز فكرة الغلاء غير أنها معها قلباً وقالباً، ولا يبقى على المتدخل في المناقشة إلا أن يقول: هل من مزيد من الغلاء؟! يظهر آخر من مؤيدي الزيادة، ويقترح على المواطنين الكرام أن يتركوا شراء سيارات الدفع الرباعي من نوع معين، لأنها تصرف بترول، و«تانكيها» ما يوصلك العين، غير أنها «تَحْرّ» في القيظ. آخر من المنافحين عن الزيادة، يقدمها بعد الشكر والمدح والديباجة المعروفة والتي في غير موقعها، ولا يمكن أن نحشرها في موضوع عام، لكنه يصر على إيرادها وكأنها «حرز الحصن الحصين» لكي تحميه من سوء الفهم، ولكي تعطي لطرحه الساذج ثقة يعتقدها واجبة. آخر يرد مدافعاً عن الزيادة بأن الشباب يتسلفون نصف مليون درهم ليشتروا سيارة، والأولى أن يتقبلوا الزيادة بالدرهم والدرهمين لليتر البنزين.
المعارضون لفكرة الزيادة، يبدأ هجومهم الناري، دون أن يعرفوا شخص الآخر ولا وضعه: أنت آخر واحد يتحدث في هذا الموضوع، لأن راتبك يملأ خزانات سيارات الحارة في أشهر، وآخر يطرح على الشباب الرجوع إلى سياقة «سيكل بو بيدر» أو يذهبوا إلى محطات البريمي لملء سياراتهم، والبعض الآخر منهم وخاصة النساء ليس لديهم في مناقشة ومعالجة الفكرة إلا السب والدعاء على من كان السبب، والترحم على الأيام الماضية، وطلب الدعم.
تشعبت الحوارات وما استفاد العقلاء شيئاً، ولا فهم بقية المتابعين الأسباب والحيثيات، ولمَ هذه التقلبات في الأسعار، وهل لها ارتباطات دولية أم محلية؟ لأنه لا يمكن أن نربط موضوعاً عاماً بأشياء شخصية، مثلما يقول السفهاء والجهلاء على وسائط إعلامية غير مسؤولة في مساجلات أي فكرة: «أنت أحسن لك ترد من «وين ييت وتنتييت» أو ردّ في «لنش» خشب ابرك لك، أو ما أحد زاد في هالأسعار إلا هالغربتيه، وإلا ذلك الذي ظل يغني بعد ما عرف التسعيرة النفطية الشهرية: قاصد جدام حافي»!
المصدر: الاتحاد