كاتب إماراتي
يقولون لك: أمس بس دخل القيظ عندنا، طيب والشهر الماضي الذي كان كله لغط، والذي قبله كان كله ريح وصهد، لا يكون يتحسبوننا نتمتع بأربعة فصول في السنة متناغمة ومختلفة، كل السنة فصل الصيف، ونصف فصل هو الشتاء، نحن لا نعترف بالتواريخ دخول الربيع وبدء عيد النوروز أو بدء الخريف وتساقط أوراق الشجر، وتفتح زهر الليمون، هذه السوالف بعيدة عن مدن الساحل، ومدن الصحراء، المهم لابد وأن نضع خارطة طريق لهذا القيظ، خاصة لأمثالنا الذين لن يكونوا في سفر، مرتضين أن نرضّ من هالرطب، إلا شحام وخلاص وخنيزي وجبري وبومعان، وحتى يسحح الفرض، ماكثون في هذا الصيف، لذا لا تطالبوني بمواضيع ساخنة، ومواضيع تغث النفس في هذا القيظ، عن البنوك واتصالات والطيران الوطني والأسواق المنفلتة، ستكون كلها مواضيع رطبة، وتبرد على القلب، وبعيداً عن كل شيء يزيد من الرطوبة، ويعكر الجو.
يقول لك أمس احتفل العالم بعيد الأب الذي مر، ولا أحد قال لنا: صباح الخير! هو أشبه بعيد العمال في الدول الإمبريالية، طيب ورود بلاستيكية تكفي، بطاقات معايدة رقمية تسد، غرشة عطر «ريف دور» من العطور القديمة تفرح، دهان «فيكس» راضين به، بس أحد يتذكر ذلك الأب الذي يكد حتى ينهد، ولا يغمضك إلا ذلك التجاهل من الأولاد، وكأنه عيد ولد خالتهم، وليس أبيهم، وشوفهم في عيد الأم كيف يتراكضون ويتزاحمون في ابتداع الهدايا وانتقاء ما يفرح قلبها، ويبكي عينها زهواً، الأب حليله حتى عزيمة في مطعم شعبي يقدم المالح والجشيد ما يلقى.
من الأشياء التي توترنا في هذا القيظ، كثرة المغردين والمغردات، والذين يصرون على إعادة كتابة من أقوال المشاهير والحكماء والعظماء في التاريخ، ويقدمونها في أطباق بلاستيكية أو في ورق قصدير، لا الوقت وقتها، ولا الناس مستعدون تقبلها وهم يعانون من كل شيء، الجو والأجواء والقيظ والغلاء، وصاحبنا جالس في مقهى في مول في لندن ويغرد من بعيد لأناس الرطوبة تَصْلّ من عليباء الواحد منهم، وواحد من كبار المساهمين في البنوك، ويصبّح على الناس المديونين بأن الفلوس ليست هي أهم شيء في الحياة، وهي مثل «يونية العيش» الخالية، إذا ما قيست بالصحة، لذا على الناس أن تهتم بصحتها، وتترك عنها «يونية العيش» الخالية، مغردون مسافرون يغيظون مواطنين قاعدين في الحر، وكثيراً منهم متقاعدين بتغريدات لا يمكن تفسيرها إلا أنها استفزاز، مثل ذلك المطوع الذي ما برح في كل قدوم صيف يذكرنا أن نار جهنم أشد، وأن رطوبة القبر أنكى وأدهى وأمرّ، طيب يا مولانا نحن نعرف ومؤمنين والله العظيم، ولا داعي للتذكير صبيحة كل يوم في قيظنا الذي يحتاج من كل واحد منا خارطة طريق له، لكي يمر بدون تعب ولا خسائر ولا فقدان الصحة التي هي أهم من «يونية العيش» الخالية بالتأكيد!
المصدر: الاتحاد