كاتبة إماراتية
اختار سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ماليزيا لتكون من أولى المحطات الخارجية له بعد تعيينه في منصب ولي عهد أبوظبي. هذا الاختيار يعكس أهمية متزايدة لعلاقة الإمارات بشرق آسيا في العموم وماليزيا على وجه الخصوص.
ماليزيا دولة اقتصادية رائدة خطّت طريقها الخاص في عالم متنافس، حتى من قبل الصعود الصيني الكبير وتميز كوريا الجنوبية. وفي مرحلة انتقالية مهمة اقتصادياً في الفترة الموازية لتميّز اليابان كانت ماليزيا من مجموعة ما يسمى “النمور الآسيوية” التي مهّدت لتغيير مركز الثقل الإنتاجي العالمي من الغرب الأوروبي والأمريكي إلى الشرق الآسيوي. هي تجربة تنمية ثرية في الاستثمار البشري وتحويل الموارد الطبيعية إلى تميز اقتصادي.
ولعل من الأهمية الإشارة إلى أنها بحكم كونها دولة مسلمة كانت تساعد على إبعاد النظرة السلبية التي كانت تروّج عن عالمنا الإسلامي على أنه عالم مشاكل فقط لا عالم إبداع وإنتاج. ولعل من المهم الإشارة إلى أن النموذج الإماراتي في التنمية، والتسامح، والاستثمار البشري والاقتصادي هو النموذج العربي الإسلامي الرائد الذي عزز من مكانة المسلمين في عالم كان يشهد تغييرات ما بعد نهاية الحرب الباردة.
هذا التقارب بين النموذجين الإماراتي والماليزي يستمر اليوم بإيقاع أعلى وأكبر. وهذا ما يجعل زيارة سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد تحظى بكل هذا الاهتمام من قبل الماليزيين، على مستوى ملوك البلاد وحكومتها.
اللقاء الذي جمع الشيخ خالد برئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم يحمل الكثير من الرسائل؛ فلم تقتصر المحادثات على بحث سُبل توسيع إطار التعاون الاقتصادي بين البلدين في مختلف القطاعات ذات الأولوية مثل الخدمات الصحية، والطاقة النظيفة، ومشاريع البنية التحتية والنقل، أو التطرق إلى أهمية تعزيز التعاون ضمن شراكة اقتصادية شاملة بين دولة الإمارات وماليزيا، لكن ركز الاجتماع على الاهتمام المشترك بسد الفجوة المعرفية فيما يتعلق بفهم ما يحدث في آسيا عموماً ومناطق شرق آسيا وغربها بصفة خاصة. فالاتفاق على إطلاق كرسي الشيخ زايد الذي تم اعتماده بالشراكة مع معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الماليزي يهدف إلى العمل على تعزيز الدراسات المتعلقة بمنطقتي غرب آسيا وجنوب شرق آسيا، ليكون آلية أكاديمية تسهم في تطوير السياسات وتقديم التوصيات العلمية للجهات ذات الصلة، وصُنّاع القرار، ومنظمات المجتمع المدني، وشريحة الشباب في المنطقتين. كما اتفق الجانبان على تخصيص كرسي سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في جامعة الدفاع الوطنية الماليزية بهدف الإسهام في تمكين النساء والفتيات في مجال السلام والأمن، وبعثات حفظ السلام في الأمم المتحدة، وبما يعزز من الشراكة القائمة بين الإمارات وماليزيا، وهذا من منطلق التعامل مع قضايا واهتمامات المرأة في عالمنا الإسلامي ضمن معطيات وأفكار بعيداً عن النمطية التي سادت غرباً أو التي حاولت التيارات المتشددة الإيحاء بها. مثل هذه القرارات بخلق الإطار الفكري للعلاقة تأخذ العلاقة بين البلدين إلى آفاق لا تقتصر على التعامل التجاري، وهي آفاق رحبة بين دولتين تمتلكان تجربة تنمية بشرية ثرية ومتميزة. تمثل الإمارات الشريك التجاري الأكبر لماليزيا في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، وقد سجلت التجارة غير النفطية بين البلدين في عام 2021 نحو 4.3 مليار دولار أمريكي بنمو نسبته 20 في المائة مقارنة بعام 2020 الذي بلغت خلاله 3.5 مليار دولار أمريكي. وعلى جانب آخر، لا نغفل عن جائحة كورونا؛ إذ أرسلت دولة الإمارات طائرة مساعدات طبية إلى ماليزيا في نهاية شهر مارس/آذار 2020 شملت 20 ألف وحدة اختبار لفحص كورونا، إلى جانب طائرة أخرى من المعدات الطبية منتصف مايو/أيار 2020 شملت 14000 وحدة من السوائل المطهرة يقدر وزنها بنحو سبعة أطنان.
الشيخ خالد بن محمد بن زايد من أبرز القيادات في دولتنا الفتية، ويتمتع بخبرة سياسية واقتصادية متميزة بحكم توليه مناصب مهمة خلال السنوات التي سبقت توليه منصب ولي العهد في أبوظبي. الاهتمام الماليزي الكبير بزيارته إنما ينبع من رغبة ماليزية واضحة في تعزيز علاقات قائمة على إرساء فهم مشترك مع قيادة الإمارات بما فيه صالح البلدين لسنوات طويلة قادمة.
المصدر: الخليج