رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
خفض كُلفة الأعمال للمستثمرين، وكُلفة المعيشة للناس، هما أهم مفاتيح تنشيط الدورة الاقتصادية، وخفض الكُلفة لا يقتصر على مجرد خفض أو تقسيط عدد من الرسوم الحكومية، الأمر مختلف تماماً، والرسوم ليست وحدها ما يرهق المستثمرين والمقيمين والمواطنين على حد سواء، فهي قد تدفع لمرة واحدة سنوياً، لكن هناك ما هو أكثر منها إرهاقاً، هو الفواتير ورسوم الخدمات التي تدفع بشكل شهري، هذه هي الأحرى بالخفض لتنشيط صرف الأموال في الأنشطة الأخرى.
التخفيف عن المستثمرين يدفعهم إلى مزيد من الاستثمار، والتخفيف عن الناس بشكل عام – من خلال خفض أسعار بعض الفواتير الشهرية والدورية، التي تستقطع جزءاً كبيراً جداً من الرواتب – يعني بكل تأكيد أن هذا المبلغ الذي توافر لدى كل شخص جراء هذا الإجراء، سيتم صرفه في نشاط اقتصادي آخر، وبذلك تنشط مختلف القطاعات: المراكز التجارية، وقطاع التجزئة، والمطاعم، والوجهات الترفيهية، وغيرها.
أما الوضع الحالي، فإنه فعلاً لا يترك للناس فرصة التفكير في صرف أموالهم للترفيه أو السلع الكمالية، ويجعلهم يؤجلون كل مشروعات الشراء، فالالتزامات والفواتير الشهرية كثيرة جداً وغالية، وهناك التزامات مالية مرتفعة جداً توجّه نحو التعليم، وأقصد به المدارس الخاصة، والإيجارات وغيرهما، هذه الالتزامات لا تترك للإنسان مجالاً للاتجاه نحو صرف أمواله في أي نشاط اقتصادي آخر!
بالتأكيد لابد من وجود الرسوم الحكومية، فلا خدمات من غير رسوم، ولا تطوير وتسهيل في تقديم الخدمات المميزة دون أموال تحافظ على هذا التطوير، لا خلاف على ذلك، لكن المطلوب فقط إعادة تقييم ودراسة الوضع بشكل عام، وهذا التقييم والدراسة يجب أن يكونا من جهة استشارية محايدة، تُقرّ الرسوم الضرورية، وتفك الارتباط بين الرسوم المتشابهة التي تُحصّلها أكثر من جهة للغرض ذاته، وتعيد النظر في القيمة المالية مقابل الخدمة الفعلية، بحيث تكونان متناسبتين، كما تدرس الخدمات الشهرية والدورية المقدمة، ومدى مناسبتها مع الأسعار المُحصّلة، وذلك بالمقارنة مع كل الدول المجاورة والمنافسة.
مثل هذه الدراسة قد تؤدي إلى خفض أرباح الدوائر والمؤسسات الحكومية بنسبة معينة، لكنها بالتأكيد ستسهم في رفع مستوى قطاعات وأنشطة اقتصادية أخرى، وعلى المدى البعيد لابد أن تعوض هذه القطاعات والأنشطة النقص المحتمل في ميزانيات تلك الدوائر، فالاقتصاد سلسلة مترابطة يشد بعضها بعضاً، وأي نجاح أو ارتفاع في نشاط اقتصادي معين، تقابله بالضرورة ارتفاعات في قطاعات وأنشطة أخرى، والعكس أيضاً صحيح.
المصدر: الإمارات اليوم