بيد أنظمة الحكم في الخليج إيجاد مزيد من فرص التصالح بينها وبين شعوبها. ليس صحيحاً أن كل من ينادي بالتغيير للأفضل طامع في سلطة أو مصلحة خاصة. نقد الفساد والدعوات للإصلاح تصب في مصلحة الجميع بدءاً بأنظمة الحكم. وأغلب الأصوات الناقدة لأوضاع بلداننا تضع لنفسها خطوطاً حمراء تؤمن بها وتقف عندها.
في النقد الموضوعي وطنية صادقة. وفي النفاق والمديح تضليل وأنانية. ولأن أمرك يهمني، ولأن مصلحتك هي أيضاً مصلحتي، فإن من مسؤوليتي أن أنبهك لما أظن أن فيه مداخل شر. وحينما نقصي الأصوات الناقدة ونقرّب أصوات التطبيل والنفاق فإن الضرر مضاعف. دعوا الناس تنتقد الأداء الخطأ وتكشف عن المسؤول الفاسد وتنبّه للخطر المحتمل. في الدول التي تجعل أهم أولوياتها تنمية الإنسان وتطوير مستوى معيشته، في السكن والوظيفة والصحة والأمن، يصبح الحديث فيها عن “شرعية” الحكم مسألة ثانوية. بل يصبح المواطن عيناً ساهرة على أمن نظامه السياسي.
النقد الصادق يعطي للناس مساحة عاقلة للتنفس وللنظام فرصة لمعرفة مواقع الخطأ ومداخل الخطر. وإلا تراكم “الغضب الشعبي”، وفي لحظة -قد تكون غير محسوبة- ينفجر الغضب بما لا تحمد عقباه. لكن التعبير وحده لا يكفي إن لم يقترن بخطوات عملية تثبت للناس أن ثمة جدية في التطوير والبناء وإصلاح أحوال الناس. أنظمة الحكم في الخليج معنية بفهم التغيير الكبير الحادث في مجتمعاتها. فما قَبِل به جيل أبي ليس بالضرورة أن يكون مقبولاً عند جيلي. وما تصالح معه جيلي قد لا يتصالح معه الجيل الذي بعدي.
قلناها مراراً ونكررها دائماً أن التعاطي مع اليوم بعقلية الأمس قد يقود إلى مشكلات مجتمعاتنا في غنى عنها. وفي وعي اليوم وثقافته، يصبح التسامح مع النقد وأصحابه من شروط البقاء!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٤٤) صفحة (٣٦) بتاريخ (٢٦-٠٤-٢٠١٢)