رابطة الدم واللحم تمنع المجازفة

آراء

في كثير من الأحيان، توقف رابطة الأمومة والأبوة أصحاب العظام الغضة لمنعهم من المجازفة ولا نعلم أن هذا الكبح قد يكون سبباً في لجم الإرادة، وسد قنوات المياه العذبة من الوصول إلى أشجار التألق، ما يجعل المشي في كثير من المواقف محفوفاً بإحباطات ومثبطات يتخرج في معاهدها جيل مكبل بأصفاد لا تنفك عقدها مهما حاول الطفل الكبير ومهما تم حثه ودفعه وتشجيعه، لأنه في كل محاولة يصطدم بصخرة الطفولة المكبوتة، وفي كل رغبة للقفز فوق تلك الصخرة، تعتريه قشعريرة الخوف من الخطر المتوهم، لذلك حث علم النفس الآباء والأمهات على فتح الطريق، وترك النوافذ مشرعة، والأخذ فقط بالحيطة والحذر، واعتماد المراقبة عن بعد، دون تبرير المشاعر المتخيلة، ودون تحويل الحب إلى قيود من سلاسل حديدية، متقنة في تقييد الحرية، وترك الأعناق مصفدة بأفكار أشبه بعتمة الليل البهيم. فالإنسان لو ترك لمشاعر التعلق العاطفية المخزونة في مضغة القلب لما تحركت القدرات العقلية قيد أنملة، ولما استطاعت الحضارة فتح دفاتر القيم الأخلاقية، وقراءة ما وراء المخبأ في الطبيعة ودراسته وتمحيصه وتلخيصه في أشكال مختلفة من الإبداعات.

فالإنسان مدعو لأن يكتشف نفسه، كما أنه مطالب بأن يكتشف العالم من حوله ليروض ما توحش في الطبيعة، وليظهر ما تعقد في الحياة، وليتحكم بمصيره، ويلتزم بأخلاق الخلق والإبداع.

اليوم نجد هذه النبرات الحية والواعية تبرز في قراءات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في تدوينات سموه معبراً عن إدراكه لأهمية المجازفة والمثابرة والمبادرة وصناعة جيل يقرأ ما بين سطور المعجزات، ويستلهم منها الأخذ بناصية الفكرة وببريق البلاغة الإبداعية، وفصاحة التعامل مع أسرار الطبيعة بحكمة عالية المنسوب، فهذا الفيلسوف الإنجليزي الكبير فرنسيس بيكون، يعلن في عام ألف وستمائة وعشرين، أن «المعرفة قوة» وكيف لا تكون كذلك طالما هناك عقل متدبر، يبحث عن ذاته في ذات العالم، ويمارس نشاطاً محبوكاً في فتح آفاق المعرفة، لأجل إسعاد الإنسان، وتوفير كل ما يحقق له الانتصار على معرقلات السير في غابة المثيرات الوجودية.

فنحن اليوم نرى هذه النظرية «البيكونية» تتمثل واقعاً ملموساً على أرض الإمارات، بفضل الرؤى النيرة والاستراتيجيات الواعية للقيادة الحكيمة.

بهذا المعنى نفهم أن قيادتنا الرشيدة دائماً ما تقدم لنا أبجديات لغة الوثب، وتسخر كل ما يمكنه تعضيد القدرات، وتمتين عرى الصداقة بين الإنسان وأمه الطبيعة.

بهذا المعنى وهذه المسلمات مضت الإمارات باتجاه المستقبل، متسلحة برؤى قيادة رشيدة آمنت بأن الحياة جهاد من أجل سعادة الإنسان، ونجاته من نار الجهل والبؤس، والتقاعس، والعجز، والضعف.

المصدر: الاتحاد