كاتب إماراتي
لعله آخر الشعراء الفكاهيين الذين يضحكونك بكلامهم الجميل، ويجعلونك تبتسم في وجه أشعارهم، بعد ما سبقه قبل سنوات رحيل صديقه الشاعر «راشد بن طناف»، وغاب العرّاب بعده «حمد خليفة بوشهاب»، وبالأمس غادرنا شاعر محبوب، ظريف، وبسمة على القلب، ودمه أخف من ماء الورد «ربَيّع بن ياقوت بن جوهر النعيمي» مودعاً مدينته، وإماراته، ومحبيه الكثر من أجيال مختلفة، نساء ورجال وصغار، لأنه كان يجمع الكثير على قصيدته الساخرة الماكرة الضاحكة، والتي تبرّد الجوف وتحيي الفؤاد، لذا ذاع اسمه على كل لسان في الوطن وخارجه، ولد في عجمان عام 1928م، وتوفي عن عمر يناهز 96 عاماً، اشتهر بلقب «فاكهة الشعر الشعر الشعبي»، عاش قرابة الثلاثين عاماً من فترات شبابه المبكر في الكويت متنقلاً بين مهن شاقة، ولا تنتمي للشعر، بعدها عاد إلى الإمارات قبيل قيام الاتحاد، وعمل في المسرح مع صديقه الشاعر والممثل «سلطان بن حمد الشامسي» والذي عرف لاحقاً بـ «سلطان الشاعر»، لقد قدمت مدرسة عجمان الشعرية، والتي تعد ظاهرة في الحراك الثقافي في الإمارات الكثير من شعراء النبط المميزين على طوال القرن الماضي، وهم كثر، ومميزون في الإنتاج والإبداع والتنوع الثقافي.
ولعل برنامج مجلس الشعراء الذي كان يبثه تلفزيون دبي أيام الأبيض والأسود في أواخر الستينيات، أكسب الإمارات شعراء كباراً، فقامت بينهم المرادات والمساجلات، وأغنى الساحة الشعرية، ولاحقاً في تلفزيون أبوظبي مكملين الدور، ومساهمين في كثير من القضايا الاجتماعية المحلية، وحتى السياسية العربية، مثل شاعرنا «ربَيّع بن ياقوت» وأشعاره الناقدة اجتماعياً، وقصائده الوطنية في الحرب الأهلية اللبنانية والأحداث العربية التي مرت بها فلسطين ومصر ووطننا العربي، ولعل قصيدته في قائدنا المؤسس، رحمه الله، حين قرر التنحي، من أشهر وأجمل القصائد الوطنية التي تغنينا بها أثناء المسيرات الطلابية، ونحن متجهين مشياً لقصر المقام، للقاء رئيس الدولة، مناشدينه البقاء والاستمرار في قيادة دولتنا؛
إلمـــين بتــخلــيـــــــــنـــا يوم أنت تستقيل
ذي ما تـــــرضــيــــنا يا كَسّاب الجميل
طَوّل بالك عـــلـــيـــنا يعل عمــرك طويل
إذا خطينا إعـــفــينا يا حَمّـــال الثقــيل
ترضى الزمن يؤذينا ونصبح عابر سبيل
عــــاهــــــدنا وانتهينا يا ذا الحر الأصيل.
كذلك من قصائده المشهورة التي غلبت قصائده الأخرى الجميلة، رائعته الاجتماعية؛
علموها الرقص والغِنّا خرجوها البنت فنانه
الولد قاصر من الحناء إيعَيّن ويخضب ابنانه
كم بتعـــفي نحـــــن عنّا السفن سمّر وطبعانه
رحم الله شاعرنا «ربَيّع بن ياقوت» لقد لون حياتنا، وأضاف لها أشياء جميلة، وكان فاكهة المجالس بحضوره وشعره، وكان الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، يجله، ويحب شعره، ويضاحكه في حله وسفره، وكان صديق لكل الشعراء، والكثير منهم لم يكن يستطيع مجاراته في فن السخرية والكوميديا السوداء والنقد الاجتماعي العميق، والذي لا يجرح، بقدر ما يرفع الحالات ويعطيها وزنها ومكانها الذي يليق بها، لذا أتمنى على الإمارات أن تخلده بطابع بريدي، وعجمان أن تسمي الشارع القريب من بيته باسمه، حقيقة أنه رحل عن دنيانا، لكننا لا نريده أن يرحل من ذاكرتنا.
المصدر: الاتحاد