كاتبة في صحيفة البيان
العلاقة بين الإنسان والطبيعة من أهم الموضوعات الغائبة في الأدب العربي المعاصر، ونادراً أن نجد رواية حديثة من كتب أدب الرحلات تحديداً عن علاقة الراوي بالبيئة، ونحن نعلم أن العلاقة بين ما يحيط بنا من مناخ، وبشتى أنواعه وأشكاله مادة أدبية وإن كان هذه المناخ سيئاً، فلا بد من مآثره الخطيرة على مشاعر الإنسان.
والرحلة البيئية النقدية تقليد كلاسيكي في عالم الأدب وفي شتى بقاع العالم، ولعل من يقرأ ملحمة جلجامش أقدم ملحمة في تاريخ البشر، فإنه يتعرف إلى جوهر الأشياء وجذورها، وشكل الإنسان إذا قضى حياته يتعلم من الحيوانات، ويعيش بينهم، وكيف يصبح إن عاد إلى المدينة؟ كما أن الملحمة تعرفنا بمعنى الغابات والصحراء والغوص في البحر من خلال البطل وصديقه، وكيف الجنة الطبيعية حولك ومعاني الجمال والوئام.
وعودة من العصور السحيقة إلى القريبة، فإذا قرأنا بعض كتب أدب الرحلات التي تعود إلى ما قبل القرن العشرين نجد النصوص تواجه حتى جذور الذُرة وعناقيد العنب، وتتأمل المعاني حول الوردة إذا تمايلت أو ربما غنت، ما يجعل القارئ يحاور الأشياء الطبيعية المكتوبة ويتخيلها من خلال المفردات، لتصبح العلاقة بين الإنسان والطبيعة مفهومة، لتتحول المساحات حولنا إلى لغة شهية ومغرية للحديث عنها، أو ربما الكتابة عنها.
أمّا ما طُبع لنا أخيراً من الأدب العقلاني فهو ظاهرة جديدة، أدب يخوض في تدمير البيئة وإبادة الإنسان. هذا الأدب نجده غالباً في القرن العشرين وصراع العالمين الصناعي والطبيعي، وأين الملاذ؟ وأين يمكننا المقاومة لحماية أرواحنا وهشاشتنا؟ أما إذا كتبنا اليوم عن علاقة الإنسان بالطبيعة فما الذي يخطر ببالنا سوى أنها متدهورة مقارنة بقرون سابقة؟ والاعتراف بالذنب أمر جليّ، عبر اقتراح الكتب المعنية لإعادة اكتشاف علاقتنا بالطبيعة، بالخيال عبر الغابات والشواطئ، للشعور بالسلام من خلال نصوصها ونحن نجرب الطبيعة، ونحس بالرفاهية، الرفاهية بمعانيها الأصيلة، كتب تمتعنا بالمناظر الطبيعية من خلال الوصف المكتوب، لا وصفاً سطحياً بقدر ما هو وصف حسي تأملي. مثل الغابات التي لا طريق لها، والبحر بوصفه مجهولاً، والنهر المفاجئ بما لا نعرف، والجبال بين الخوف والسحر… فأين أصبح هذا الأدب يا ترى؟
المصدر: البيان