كاتب إماراتي
ترانا نحن جيل الستين والسبعين والثمانين ما نتحمل مصلحات الأجيال التي تلتنا، خاصة المولدون سنة ألفين، ونحن في تلك السنة غدينا محامل قديمة، صدورنا تدخن، وهم يأكلون من أطعمة «كارفور»، ويستخدمون قطنة، بالتأكيد هناك بون شاسع بين جيل مجالد من أجل اللقمة، وجيل فطم وفي فمه ملعقة من فضة وذهب، ومهما تحدثنا عن تجسير الهوة بين الأجيال أو تواصل الأجيال، وتلاقح الثقافات، لكن لا اللغة تسعفنا ولا تسعفهم، ولا التصرف منهم يعجبنا، ولا تصرفنا الملتزم يروق لهم، هناك قطيعة واضحة، وتتجلى أكثر ما تتجلى بين جيل الستين وجيل الألفية الثالثة، مثلاً؛ في المجلس أنت «جاب ركبة» رغم أن عظامها تتناقع، وهو «متفرشغ»، وحين تطلب منه أن يصطلب، ويجلس جلسة رجال، يرد عليك بجواب، لا تستطيع أن تقول عنه إنه غير مقنع، خاصة حين يعزف على الوتر الحساس للركبة، وأن تلك الجلسة لا تتناسب وعمرك التقاعدي، وأن دراسة ألمانية شخصت كل أسباب أوجاع المفاصل وتصلبها وهشاشة العظام في دول مجلس التعاون تعود للعادات الاجتماعية التي يمارسونها في حياتهم اليومية.
تظهر مثلاً مع ولدك ليزور أعمامه، أنت بعقال أو متعمم، وهو لابس «كاب» على الكندورة، وحين تقول له: ما أحد يزور أرحامه، وهو لابس «كاب»، يقول لك: «واي نت»؟ فيسقط في يدك، ولا تلوي على جواب يخرسه، فترتد على مرجعية العادات والتقاليد التي لا يعرف عنها ولا يعترف بها نتيجة تعليمه، وغربة لغته، وما يراه في المجتمع «الكوزموبوليتاني»، المتسارع في خطاه نحو العصرنة والكوكبة، ومرة دخلنا في نقاش أن مضغ اللبان أمر معيب، ويخدش الرجولة، فقال: أثبت لكي أقتنع! غير أن أباك لطمك على وجهك وأنت صغير، رآك تتعلج قدامه، ثم ما دخل الرجولة، كمصطلح نختلف عليه في هذا العصر، في علكة قد تكون طبية لترطيب الفم وإنعاشه، طيب هذا إذا ما وصلت الأمور إلى أن الحرمة لازم يكون معها محرم أو لا.
اليوم الذي نعانيه مع الأجيال الجديدة النفرة من مصطلحاتهم، وتعابيرهم اليومية، والتي لا تستقيم مع جلال اللغة أحياناً، عدا ذلك الاعتداء عليها بكلمات إنجليزية بين الحين والحين، حتى أنك تشعر وهم يستخدمون مصطلحاتهم الجديدة أنه «كلام هلع»، ما فيه «ذيك الذرابة»، ولا بارد الحديث، ويضحكون على أي نكتة، ولو ما كان فيها ذاك العمق الذي ينتزع منك الضحكة غصباً عنك، اليوم ممكن أن تضحك فتاة مع صديقتها لمجرد أنها قالت لها: أنا في مقهى «لا روز»! فتصرخ صديقتها: اوووه لا.. لاه! وقس على ذلك من ماسخ الكلام، قد نغفر للفتيات في طرائق حديثهن، لكن مصيبتنا في الشباب، مصطلحاتهم خالية من خشونة الحياة وقسوتها والصحراء وجبروتها، ما تسمعه منهم عبارات لينة رطبة، قد تكون نتيجة النعيم الذي يعيشونه، ولا نلومهم، لكن كيف لنا أن نطبع أجيالنا الجديدة بطابع المكان والناس، وتلك الخصوصية المحلية التي هي هوية الدار؟! سؤال غائر حد عظم الرقبة!
المصدر: الاتحاد