مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
يقول الكاتب البريطاني نيل جايمان: «الكتابة تشبه الطبخ كثيراً، أحياناً لا تنفش الكيكة التي تعدها مهما حاولت، لكن من وقت إلى آخر ستجد أن طعم كعكتك أحلى من كل توقعاتك وأحلامك بها»! ولقد أصاب الهدف تماماً، وعليه ليس غريباً إذا سمعت صحفياً يحدثك عن مطبخ الجريدة، باعتباره المكان الذي يضم كبار الصحفيين من أهل الحرفة والخبرة، حيث تتخذ القرارات الخاصة بكل ما سيظهر في الجريدة صباح الغد.
لذلك فمن الملاحظ جداً براعة الكثير من الكتاب والصحفيين في فن الطهي، وشغفهم به والتفاتهم الدقيق لمضامين وتفاصيل الوصفات، الخلاصة إذن: إن الكتّاب يطبخون كما يكتبون تماماً، لأن الكتابة عندهم تشبه الطبخ كثيراً، ولكلا الفنين أسرار ومعادلات لا يعرفها إلا أصحابها!
يؤكد الكاتب المصري محمد عبدالنبي في كتابه «الحكاية وما فيها» أن أي شخص يهتم بالكتابة لا بد أن يكون مهتماً بالطبخ كذلك، ولو على سبيل الفضول، لأن إنتاج طعام طيب وشهي ومفيد لا يبتعد كثيراً عن إنتاج عمل فني طيب وشهي ومفيد! ولعل الكاتبة المكسيكية «لاورا إسكيبيل» أشهر من زاوج بين الكتابة الروائية وفن الطهي في روايتها الشهيرة «كالماء للشيكولاته»، وكذلك الروائية المعروفة «إيزابيل الليندي» في كتابها «أفروديت»، الذي تحدثت فيه كاختصاصية عن فن الطعام وتأثيراته على الجسد والمزاج والميولات الشخصية.
وكما لا يمكن للكاتب أن يكتب مقالاً أو رواية عظيمة في كل مرة يجلس فيها لطاولة الكتابة، فإن الطاهي كذلك مهما كان بارعاً لا يمكنه أن يعد طبخة بنفس البراعة، التي يعدها طاهٍ آخر، ومهما وصف لك شخص طبخة معينة أعدها لك في منزله، بالرغم من سهولتها، وتوافر مقاديرها لديك، إلا أنك لا تستطيع أن تحصل على نفس الطعم الذي ذقته عندما تناولتها عنده! لماذا؟
لأن هناك ما يعرف بـ«نَفَسِ الطهي» أو «سر الطبخة»، مثلما أن هناك سر الكتابة، الكتابة التي تخص كاتباً بعينه، بحيث لا يمكن تقليده أو الكتابة بطريقته، ولنتذكر نزار قباني ولغته، ومحمود درويش وعباراته، ولنتساءل: هل يمكن تكرار كتابتهما؟
المصدر: البيان