عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
قبل غروب الشمس في مثل هذا اليوم قبل 42 عاماً، أنجزت الفرقة 18 من الجيش المصري، تحرير مدينة «القنطرة شرق» في ثاني أيام حرب أكتوبر 1973، وكانت أول مدينة يتم تحريرها في سيناء من قبضة الجيش الإسرائيلي المحتل. تلك الفرقة كانت بقيادة الفريق (العميد وقتذاك) فؤاد عزيز غالي، الذي تمت ترقيته في ديسمبر من نفس العام قائداً للجيش الثاني الميداني.
وقبل ذلك بيوم، أي يوم الحرب في 6 أكتوبر، كانت أولى موجات المشاة المصريين، الذين عبروا قناة السويس تحت غطاء القصف المدفعي المصري، بقيادة اللواء (العقيد وقتذاك) شفيق متري سيدراك قائد الفرقة 16. استشهد سيدراك في معارك الدبابات في 9 أكتوبر، وهو يتقدم جنوده ومعه خمسة جنود في دبابة القيادة، وكان أول شهيد من الضباط في تلك الحرب.
في تلك الحرب، فاجأ المصريون العالم بأسلوب بسيط لفتح ثغرات في خط بارليف المنيع، هي استخدام خراطيم المياه ذات الدفع العالي جداً، وتمكنوا من فتح ثغرات فيه في 4 ساعات، في حين كانت أفضل التوقعات تشير إلى أن المهمة قد تستغرق 24 ساعة. لكن ما لا يعرفه الكثيرون، أن فكرة استخدام خراطيم المياه، اقترحها ضابط في سلاح المهندسين، هو باقي زكي يوسف، الذي اقترح الفكرة للمرة الأولى عام 1969، وتم إبقاؤها سرية منذ ذلك الوقت وحتى تنفيذها يوم الحرب.
المرحوم فؤاد عزيز غالي، صعيدي من مواليد محافظة المنيا، أما الشهيد شفيق متري سيدراك، فهو صعيدي من مواليد أسيوط، وباقي زكي يوسف، صعيدي من مواليد أسيوط أيضاً. ما الذي يجمع هؤلاء، بخلاف أنهم «صعايدة»؟
أنهم أقباط مصريون، ومعهم من قادة الفرق في حرب أكتوبر عقيد آخر أصيب في ثاني أيام الحرب، هو العقيد جورج حبيب. ما زال الأقباط يخدمون في الجيش المصري، لكن كيف يمكن وضع معلومات كهذه مع الصور النمطية الرائجة للأقباط في أذهان العرب؟ أي تلك الصورة الرائجة للأقباط المصريين، التي يتم إعادة إنتاجها من وقت لآخر، وتقدمهم في أكثر المعاني سلبيةً؟
استعادة سيرة أولئك الضباط الأقباط المصريين، تعيدنا إلى تصريح شهير لمرشد جماعة الإخوان المسلمين السابق، مصطفى مشهور، دعا فيه إلى منع الأقباط من خدمة العلم والانخراط في الجيش، باعتبارهم من أهل الذمة، وخشية تسريبهم أسراراً لأعداء مصر. وليس هذا التصريح هو الوحيد من نوعه، لكنه يمثل ذروة في حرب شنها الإخوان المسلمون والسلفيون ضد الأقباط طيلة العقود الثلاثة الماضية، بذرائع واهية وفهم قاصر.
مثل هذا التصريح وغيره، والممارسات على الأرض، يقدم صورة شاخصة لعقلية وذهنية العزلة التي يعيشها الإخوان والسلفيون في مصر وغيرها من البلدان العربية، وفهمهم المغلوط للدين قبل كل شيء. ففي مقابل هذا الفهم المشوه، تحفل مصر بتقاليد عريقة في الإخاء بين المسيحيين والمسلمين، لم تستوعبها عقلية الإخوان والسلفيين في مصر. ففي رمضان الماضي، استضاف التلفزيون المصري مواطناً قبطياً مصرياً يقيم موائد إفطار لمواطنيه المسلمين في شهر رمضان المبارك منذ 35 عاماً. وللتاريخ، هنا مغزى يفوت الكثيرين.
فهذا المواطن القبطي المصري (مكرهون نحن على تعريفه هكذا، تماشياً مع منطق المذاهب الرائج) بقي يقيم موائد الإفطار هذه طيلة العقود، التي شهدت الحرب الضروس التي شنها الإخوان والسلفيون المصريون ضد مواطنيهم الأقباط. إن أمثلة تقاليد الإخاء هذه كثيرة ومتعددة في مصر، لكن الفهم المختل للعقيدة نفسها، والعزلة التي يعيشها المتأسلمون، لا تقدم إلا صورة نمطية للإسلام تتوقف عند سرديات تحصر الإسلام في فترة الدعوة والحروب ضد المشركين وفتح مكة فحسب، ويتم ترويجها بخلط كبير بين الوقائع التاريخية وبين التعاليم نفسها.
لا ترد حرب أكتوبر في أدبيات الإخوان والسلفيين أصلاً، باعتبارها حرباً وطنية لتحرير الأرض، وعليه، فإن الجهل بسير الضباط الأقباط في حرب أكتوبر، يبدو نتيجة من نتائج هذا الإسقاط الكامل لفصل الحرب في النسخة الإخوانية للتاريخ المصري الحديث.
لكن هذا انسحب على الذاكرة الجماعية للمصريين أيضاً، ولم تبدأ محاولات التصحيح إلا لاحقاً بعد 2011، حيث بدأت وسائل الإعلام المصرية في نفض الغبار المتراكم عن سير هؤلاء. ولعل هذا يبدو مفهوماً في أحد جوانبه، إذا عرفنا أن الدعاية الرسمية في أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، اختزلت سيرة وبطولات الحرب في شخص مبارك نفسه، عبر التركيز على الضربة الجوية، اعتبارها مفتاح النصر، ولاحقاً تم إقحام صورته مكان الفريق سعد الشاذلي في الصورة الشهيرة للسادات مع قادة الجيش.
أسهم الأميركيون أيضاً من جهتهم، في خلق صورة نمطية للأقباط المصريين، لكن بمعنى مختلف هي صورة «الأقلية المضطهدة» عبر تقارير الخارجية الأميركية السنوية طيلة ثلاثة عقود ماضية، وهي صورة التقطتها وسائل الإعلام العالمية، وراحت تعيد إنتاجها طيلة سنوات وحتى اليوم. وما إن جاء عام 2011 بكل متغيراته حتى توقف الأميركيون عن هذه المحاولات لسبب بسيط: رفض ممثلي الأقباط الاجتماع مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أثناء زيارتها لمصر عام 2011. أي بمعنى آخر: رفضهم لأن يكونوا قضية خاصة أو ورقة بيد الأميركيين.
المصدر: صحيفة البيان