كاتب إماراتي
ترددت كثيراً في كتابة هذه المقالة، خوفاً من أُوصف بالأفاك لو ادعيت أن أمسية جمعتني برهط من كفار قريش، لكنني وبشجاعة قررت الكتابة لأمرين: أولهما أنكم – كقراء – تستحقون عيش التجربة المذهلة التي عشتها، وثانيهما أن بعضاً ممن شهد الأمسية شخصيات حقيقية، يمكنكم الرجوع إليها لو أردتم معرفة تفاصيل ما حدث تلك الليلة.
بداية عرّف الضيف بنفسه قائلاً: إنه الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، أحد أشراف قريش وكبير ساداتها، وصف نفسه بـ«الوحيد»، لأن قريشاً كانت تكسو الكعبة عاماً، وهو وحده من يكسوها في العام التالي، ثم تفاخر بكرمه في مواسم الحج، التي كان يذبح فيها للحجيج كل يوم 10 من الإبل طوال 40 ليلة.
أثنى أحدهم على ذكاء الوليد وفطنته، مستشهداً بالآية القرآنية: «إِنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّر»، ثم سأله آخر متعجباً: كيف لإنسان بهذا العقل الكبير أن يلحد معطلاً عقله عن الحق؟! هنا أجاب الوليد: أتذكر ذلك اليوم جيداً؛ فبعد أن سمعت الحق يتلى، لقيني أبوجهل في طرقات مكة، ذكّرني بمكانتي بين قومي وعظم شأني فحرك كبريائي، فأعملت عقلي لأتهم دين محمد وأصدَّ عنه.
هنا عقّب زميلي بأن الجاهلية التي تعيشها العقول منبعها إعجاب الناس بسعة معرفتهم، فتضخمت في داخلهم «الأنا»، ليطأوا كل الثوابت والمبادئ، بهدف الانتصار لذواتهم، اكتفى الوليد بعبارة: الدروس لا تجدي نفعاً الآن؛ فقد سبق علينا الكتاب.
بعد نهاية الأمسية، صارحني الزميل نفسه قائلاً: لسنوات طويلة اعتقدت أن العقول الكبيرة نعمة، لأنها تسوق صاحبها إلى النجاة، لكنني أدركت اليوم كيف تتحول العقول إلى وبال على أصحابها، متى اقترنت بالأنفس الهزيلة، فتصير مركباً للهوى يحركها يمنة ويسرة. وافقته الكلام مضيفاً: من عدل الله أنه لا يحاسب الفقراء على زكاة لم تبلغ أموالهم نصابها، كما لا يسأل الحمقى عن أمور لا تفطن لها عقولهم، ولا عذر لمن استبان له الطريق فألحد في معتقده.
بالمناسبة؛ خلافاً لصورة كفار قريش في شاشات التلفزيون من ارتدائهم عمائم ملونة وعباءات مطرزة، كان لباسهم في الأمسية كلباسنا تماماً، لم يمتازوا عنا إلا بفصاحة اللسان وطلاقته.
المصدر: الإمارات اليوم