مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
حتى الصباح المنصرم، وأثناء وجود ممثل إحدى شركات الصيانة في منزلي لتوقيع عقد لصيانة بعض الأمور المهملة في المنزل، وأنا أستمع بين فترة وأخرى إلى روايات عديدة لم تتفق يوماً حول المسألة السورية من حيث مسببات تفاقمها وآفاق الخروج منها، فكلّ يروي حسب رؤيته وحسب قربه أو بعده عما يحدث هناك، وأحياناً حسب الطائفة التي ينتمي إليها!
ولو لم يكن كذلك لما تفاوتت التفسيرات واختلفت الرؤى، حتى صارت المعضلة السورية أكثر من أزمة، وأبشع من حرب، وأكثر تعقيداً من صراع مسلح، إنها أشبه بالمسألة الرياضية المعقدة التي يحاول كل طرف أن يحلها لصالحه، فيعمل على تعقيدها أكثر مما كانت عليه، لأن هذه المسألة تحديداً لا تحتمل أن يحلها شخص أو طرف واحد مهما بلغ معدل ذكائه.
لذلك ذكرت لكم أنه حتى صباح البارحة وأنا أتحدث إلى ذلك الشاب السوري حول أمور لا علاقة لها بالسياسة أبداً من قريب أو بعيد، فإذا بالموضوع السوري يقتحم الحديث، وإذا بالشاب يستطلع رأيي بأدب جم، حين عرف بأن لي صلة بالإعلام والصحافة، وحين تحدث وأسهب أيقنت أن قضية سوريا لن تنتهي بالأمنيات والدعوات، لكنها تستلزم حصول أحد أمرين: إما معجزة إلهية، وإما اتفاقات حقيقية وجادة بين أطراف الصراع في سوريا وما أكثرهم، وما أبعد المسافات بينهم، أمر واحد يقرب أبعد المسافات في العلاقات السياسية كما في أي علاقات أخرى: المصالح!
كل شيء يتم إهماله يزداد سوءاً مع الزمن، ومع السوء تزداد كلفة إصلاح العطب الذي يتسع ويكبر يوماً بعد يوم، في الصحة كما في العلاقات الإنسانية، وفي المباني كما في الصراعات والأزمات، كذلك فما كان يمكن إصلاحه منذ بدايات الأزمة، يوم كانت أزمة، أصبح صعباً تجاوزه بالبساطة التي نتخيلها، تحتاج أطراف الصراع إلى اتفاق حول مصلحة سوريا، وتحتاج إلى إرادة جامعة وتحتاج إلى… وهذه كلها غير متوافرة للأسف، خاصة بعد أن تمت خلخلة المكون الاجتماعي المتمثل في الشعب بتهجيره وتدمير بناه الوطنية والاجتماعية!
المصدر: البيان