محمد شيخ شهاب
محمد شيخ شهاب
مهندس يعمل في مؤسسة الإمارات للطاقة النووية ، مهتم بعلوم الطاقة النووية وتطبيقاتها

سيرة الطاقة النووية

آراء

لعبت الأحداث التي رافقت تطور علم  الطاقة النووية وتطبيقاتها دورا كبيرا في تكوين صورة مشوّهِة ومشوّهَة عنها لدى كثير من الناس، حتى غدت كلمة ” نووي” -في أذهانهم- مرادفة للدمار، والخراب، وأمراض السرطان. رغم أنها في الواقع مجرد طاقة محايدة كغيرها من أشكال الطاقة تختلف استخداماتها باختلاف نوايا من يستخدمها، أي كما يقول المثل الدارج “السلاح يدين بدين حامله”. المتأمل في تاريخ تطور الطاقة النووية سيكشف مقدار الظلم الذي أحاط بها، والذي سنحاول أن نحيط به في هذا المقال -ومقالات لاحقة- ليرى القارئ  كيف أن الظروف لعبت دورا كبيرا في رسم هذه الصورة القاتمة.

بداية يجب أن نصحح بعض المعلومات المغلوطة المتداولة، فليس صحيحا ما يشاع بأن آينشتاين كان صاحب الفضل في اختراع السلاح النووي، إذ يقول في إحدى مقالاته المنشورة “أن اختراع السلاح النووي ممكن من الناحية النظرية، ولكن لم أتوقع أن أشهده في حياتي”

بدأ التاريخ النووي باكتشاف العالم الألماني مارتن لمعدن اليورانيوم عام 1789، لتتوالى بعد ذلك التجارب على مختلف المعادن غير المستقرة لفهم طبيعتها وطبيعة الإشعاعات الصادرة عنها، حتى جاء العام 1932 الذي اكتشف فيه جيمس النيوترون مما سرّع وتيرة الاكتشافات، ليصل العالم هان في نفس العام لاكتشاف عملية الانشطار لنواة اليورانيوم والتي كانت أول إثبات علمي لنظرية أينشتاين المشهورة والتي تحدثت عن تحول الكتلة إلى طاقة 1905.

كان هذا الاكتشاف نقطة تحول فارقة في علم الطاقة النووية، حيث بدأ التنافس يشتد بين الدول العظمى كالإتحاد السوفييتي (سابقًا)، وألمانيا، وبريطانيا لدعم وتشييد مراكز البحث العلمي بهدف فك رموز وطلاسم عملية الانشطار بالتفاعل المتسلسل، وكيفية تخصيب اليورانيم 235، والتطبيقات المحتملة التي ستتوفر من الطاقة الهائلة الناتجة من هكذا تفاعل.

كانت هناك بوادر واضحة في تطوير هذا الطاقة للاستخدام السلمي، لكن ما لبث أن تم إخمادها عندما كتب العالمان اللاجئان في بريطانياPeierls and Frisch  مذكرة بثلاث صفحات عن فكرة القنبلة النووية وسموها Frisch- Peierls Memorandum. تناولت المذكرة شروحا لعمليات تخصيب اليورانيوم 235، والقوة المتوقعة من انفجار 5 كيلوجرام من هذه المادة الإشعاعية والتي قدرت بمئات الكيلوجرامات من الديناميت. بعد ذلك أمرت بريطانيا بتشكيل هيئة علماء من عدة جامعات بريطانية مرموقة لتكوين هيئت سُميت ب MAUD، والتي استطاعت في زمن قياسي اكتشاف معدني النبتونيوم والبلوتونيوم، واللذين يتم إنتاجهما كمخرجات إشعاعية قوية لعملية تفاعل معدن اليورانيوم المخصب.

وفي العام 1941 أصدرت MAUD تقريرين مهمين -كملخص لنتائج تجاربهم-. أول تقرير حمل اسم “استخدام اليورانيوم في صناعة قنبلة ” والذي فصل وشرح عمليات تخصيب اليورانيوم، أما التقرير الثاني (الذي كان أهم بكثير من السابق) كان عن كيفية التحكم بالتفاعل المستمر لليورانيوم والإستفادة من الحرارة العالية في تبخير الماء وتحريك المولدات، كان الهدف منه سلميًا بحتًا لإنتاج طاقة كهربائية هائلة. ولكن لسوء الحظ تم إهمال هذا التقرير في ذلك الوقت لانشغال العالم بأمور الحرب العالمية الثانية، فبعد الهجوم الياباني على Pearl Harbor عام 1941 ودخول أمريكا في الحرب، انصب الاهتمام الأمريكي على صناعة القنبلة الذرية بشكل كامل.

ويروي آينشتاين قصة تسرب السر النووي إلى أمريكا عن طريق امرأة كانت تعمل مع العالم هان فرت من الاضهاد النازي إلى الدنمارك، وهناك أطلعت العالم هوفر على تلك الأسرار، وقام بدوره بنقل هذه الأسرار إلى علماء الطاقة في أمريكا.

تم توكيل الجيش الأمريكي بإدارة عملية تطوير واختيار مواقع لمصانع التخصيب وصناعة الماء الثقيل، فتم إنتاج أول قنبلتين: واحدة من اليورانيوم 235 والثانية من البلوتونيون 239،  واللتين تم استخدامهما في الحرب. حيث تم إلقاء القنبلة الأولى على مدينة هيروشيما في السادس من أغسطس 1945 والثانية على مدينة ناجازاكي في التاسع من الشهر نفسه، مسببة أول كارثة نووية في العالم، نتج عنها إعلان اليابان الإستسلام في الحرب.

في نفس الفترة كان الإتحاد السوفييتي يحضر نفسه -أيضا- لامتلاك نفس السلاح، عن طريق تجنيد علماء ألمان، بعد هزيمة النازيين، للعمل في عدة مدن نووية سرية تم تشييدها في مختلف مناطق الاتحاد السوفييتي.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تم إحياء مشروع استخدام الطاقة النووية في بناء مصانع لتوليد الكهرباء والذي كان ليرى النور باكرًا لولا اندلاع الحرب. حيث بدأ في العام 1951 بناء أول مفاعل نووي تجريبي لإنتاج الطاقة السلمية في الولايات المتحدة. وهنا بدأت حقبة جديدة في  تاريخ استخدام هذه الطاقة، وسنخصص المقال القادم للحديث عنها.

خاص لـ ( الهتلان بوست )