هل يمكننا معالجة الجراح التي تتسبب بها الحوادث وأن نشفى منها تماما – أتساءل؟ ربما في أحيان كثيرة، نعم، لكن الإصابات غالباً ما تترك أثراً وراءها قبل أن ترحل، ولو مجرد ندبة بسيطة. وماذا عن تلك الجراح التي لا يمكن معاينتها في أغوار الروح ؟
قد لا تكون هناك إجابة واحدة صحيحة حول الموضوع، لذا دعونا من تلك الإجابات الفلسفية ولنتحدث عن الحوادث والندوب التي تتركها والأساليب العملية لعلاجها. وحتى لا أطيل، دعونا نتحدث عن “ستيفن كينغ” (أعتقد أنه مثال لا بأس به عن موضوعنا اليوم)، والأسلوب الذي اتبعه ليعالج نفسه. لكن بدايةً، يجب أن أقول (لمن لا يعرف ستيفن كينغ) أنه كاتب وروائي أمريكي شهير، بل شهير جداً تبيع رواياته ملايين النسخ، بدأ الكتابة منذ فترة لا تقل عن أربعين سنة، جنى خلالها الملايين أيضاً. في نهاية المطاف هو أمريكي ويكتب باللغة الإنجليزية. لحسن حظه أنه لا يكتب بالعربية التي لا يشتري أهلها الكتب إذ لا يجدون وقتا للقراءة، فهم دائما منشغلون بأمور أخرى أكثر أهمية كالجلوس في المقاهي والدردشة مع الأصدقاء ومشاهدة مباريات كرة القدم الأوروبية والمسلسلات التركية ومحاولات التعرف على أكبر عدد من الجنس الآخر ..إلى آخر قائمة الانشغالات المهمة التي لا تنتهي عند الإنسان العربي!
الزبدة أن ستيفن كينغ كاتب رائع، سيرة حياته تعد مثالاً ممتازاً للنجاح، لكنها – ككل شيء جميل – كان لا بد أن تنتهشها أنياب النقص !.. في سنة 1999 تعرض ستيفن كينغ لحادث سيارة تسبب في إلقائه على جانب الطريق والدماء تنزف من جسده. تم نقله إلى المستشفى حيث عولج، ليخرج بعدها بكسور صعبة الالتئام وبضعف شديد في العصب البصري يهدده بالعمى في أية لحظة. عندما خرج كينغ من المستشفى قام بشراء الشاحنة التي صدمته ثم قام بحرقها في احتفال كبير طلبا للراحة النفسية !
تنتهي القصة عند هذا الحد، لكني أتساءل، هل وجد ستيفن كينغ راحته في حرق الشاحنة؟ وماذا عن سائق الشاحنة؟!
من منا لم يتعرض لحادث ترك ندوباً في قلبه أو جسده يوماً ما، وكم واحد منا وجد طريقه للراحة بعد كل تلك الجراح التي أثخنتنا بها الحياة؟
للأسف، لا يمتلك الجميع القدرة على شراء الشاحنات التي تصدمهم ليحرقوها بعد ذلك، تلك هي الحقيقة المؤلمة !.. الحقيقة الأكثر إيلاماً، أن معظم الشاحنات التي تصدمنا، هي، مع الأسف، شاحنات.. بشرية!